مناسبة النزول
جاء في مجمع البيان ،قال الكلبي: إن أبا سفيان لما رجع إلى مكة يوم أُحد واعد رسول الله موسم بدر الصغرى ،وهو سوق تقوم في ذي القعدة ،فلما بلغ النبي( ص ) الميعاد قال للناس: اخرجوا إلى الميعاد ،فتثاقلوا وكرهوا ذلك كراهة شديدة ،أو بعضهم ،فأنزل الله تعالى هذه الآية ،فحرّض النبي المؤمنين ،فتثاقلوا عنه ولم يخرجوا ،فخرج رسول الله( ص ) في سبعين راكباً حتى أتى موسم بدر ،فكفاهم الله بأس العدو ولم يوافهم أبو سفيان ولم يكن قتالٌ يومئذ ،وانصرف رسول الله بمن معه سالمين .
مسؤولية الرسول القيادية
إنها دعوة من الله إلى الرسول( ص ) أن يتحمل مسؤولية القتال في سبيل الله ،لأن دوره ليس دور الرسول الذي يبلّغ رسالات الله ،ثم يصبر على الأذى ،ثم يتراجع عن الساحة ويستسلم لمخططات الأعداء ،ويضعف أمام تعاظم قوتهم ،ويستكين أمام شدّة بأسهم ،بل إن دوره العظيم أن يغير الحياة على أساس رسالة الله ،فينسف كل قواعد الواقع الفاسد ،ويحطم قوة الذين كفروا ،ويضعف من بأسهم ،بكل الوسائل التي يملكها ليحركها في خط المواجهة ...ولا بد له في هذا المجال أن يتقدم الصفوف ليقاتل في سبيل الله ،ليكون النبي المقاتل كما كان الرسول الداعية المبلّغ ،لأن شخصية الرسول هي النموذج الذي ينبغي للمؤمنين أن يصوغوا شخصيتهم على صورته ،فتتكامل لهم الشخصية المتوازنة التي تجمع في داخلها كل ما تحتاجه الحياة من عناصر الشخصية الفاعلة المؤثرة ،التي تقود الحياة من موقع المعاناة إلى أهدافها الكبيرة التي يريدها الله لها في مسيرتها إليه .وإذا كان الله قد كلف الرسول بالقتال في سبيله ،فإنه لم يحمّله في هذا الجانب إلا مسؤولية نفسه ،تماماً كأيِّ مسلم يتحمل مسؤولية عمله ،دون أن يحمل مسؤولية غيره في ما يقوم به ،إلا بالمقدار الذي يتصل بمسؤوليته في إعداد المقدمات وتهيئة الأجواء ؛ولكن الله أراد للرسولفي مسؤوليته القياديةأن يحرض المؤمنين على القتال ،بكل الأساليب التي تدفعهم إلى الإقبال عليه ،ليقفوا في مواجهة العدو صفاً واحداً كالبنيان المرصوص ،لأن قوة الكافرين لا تضعف ولا تتحطم إلا إذا وقف المؤمنون كقوة مسلّحة في مواجهتهم ،فذلك هو الذي يحقق للساحة توازنها وقوتها ،تبعاً لما أراده الله من جريان الأمور بأسبابها الطبيعية ،لأنه لم يشأ أن تتحرك قضايا النصر والهزيمة بطريقة المعجزة ،ليتحول الناس إلى عناصر تجلس في الظل في استرخاء ،وتتطلع إلى العدووهو يتقدمببلاهة ،لتنتظر المعجزة من السماء أن ترسل على العدو ناراً تحرق كل أفراده وأسلحته ...إن وجود القوة المستعدة للمجابهة بكفاءة ،هي التي يمكن أن يرد الله من خلالها بأس الكافرين ،ومهما بلغ بأسهم ،فإن الله أشد بأساً وأشد تنكيلاً ،فلا ينبغي للمؤمنين أن يأخذهم الرعب والخوف والهلع ما دامت قوتهم مستندة إلى قوة الله سبحانه .