المفردات:
لا تكلف إلا نفسك: لا تكلف إلا فعل نفسك
وحرض المؤمنين: وحثهم ورغبتهم .
تنكيلا: تعذيبا وإيلاما .
التفسير:
84- فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ... الآية .
هذه الآية تفريع على ما سبق من بيان حال المنافقين وضعاف الإيمان وأنهم مخذلون بإذاعتهم ما يسمعون ،قبل التثبت من صحته .
وهي أمر من الله تعالى لرسوله ،ولكل قائد ،وكل قادر على القتال من المؤمنين المخلصين ،أن يندفع ولو منفردا إلى الجهاد في سبيل الله ،عند النفير العام ،غير ملتفت إلى المثبطين والمرجفين .
وفي الآية حث على تحمل المسئولية الفردية ،وقيام كل فرد بواجبه ،وبذلك تتلاحم الصفوف ،ويجتمع المسلمون يدا واحدة ،كالبنيان المرصوص .
ويفهم من الآية ،أن على القائد أن يتقدم جنده ،وأن يضرب لهم المثل بنفسه عمليا ،وأن يحرض المؤمنين على الجهاد ،ويحثهم عليه ،كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،يوم بدر ؛وهو يسوي الصفوف ،فقد قال لهم: '' قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض''{[32]} .
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ''يا أبا سعيد ،من رضي بالله ربا ،وبالإسلام دينا ،وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ونبيا ؛وجبت له الجنة''{[33]} .
قال: فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها على يا رسول الله ؛ففعل ،ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: '' وأخرى يرفع الله العبد بها مائة درجة في الجنة !ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض '' قال: وما هي يا رسول الله ؟قال: ''الجهاد في سبيل الله'' .
عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً .فإذا حرض القائد جنوده على القتال والجهاد ،انبعثت الرغبة في الشهادة ،ولا ريب أن الاستعداد للحرب وأخذ العدة والتأهب للقتال من شأنه أن يلقي الرعب في قلوب الكفار فيكفون على التحرش بالمسلمين ،ولذلك قيل: لا شيء يمنع من الحرب مثل الاستعداد لها .
فإن استعداد المسلمين وأخذهم العدة من شأنه أن يحمل الكفار على التفكير والتروي قبل مواجهة المسلمين ،فيتوقفون عن قتالهم ،ويكف الله بهذا عن المسلمين شر قوتهم وشدة بأسهم .
وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً .فهو سبحانه أشد قوة من كل ذي قوة وأشد تعذيبا من كل قادر على التعذيب وهو سبحانه قادر عليهم في الدنيا والآخرة .قال تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ( محمد: 4-7 ) .