قوله تعالى:{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ( 19 ) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ( 20 ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 21 ) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} .
يبين الله لطفه بعباده وإحسانه إليهم ؛إذ رزقهم من واسع فضله وجزيل بركاته وكرمه .وأنزل إليهم الكتاب فيه تبصرة لهم وهداية وبعث فيهم نبيين من أنفسهم لينذروهم لقاء الله ويحذروهم يوم المعاد وليستنقذوهم من خُسران الدنيا والآخرة .
فقال سبحانه في كلماته الربانية العجيبة:{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ}{لطيفٌ} من اللطف وهو الرفق .واللطف من الله معناه التوفيق والعصمة .{[4097]}
وهذه حقيقة راسخة تنطق بها كلمات الله الفُضلى ،ويفيض بها قوله الحق والصدق وهو أن الله رفيق بالعباد وحفيٌّ بهم فلا يظلمهم ولا يحيف عليهم ؛بل إنه عز وعلا قد أسبغ عليهم رحمته وفضله وإحسانه ما أقام به عليهم الحجة .ومن جملة لطف الله بالعباد وبالغ رأفته لهم ،ذلك الرزق الذي جعله لهم ليقتاتوا ويعيشوا مطمئنين في الأرض ،فلا تقُضُّهم القلة ولا يعُضُّهم الجوع ،سواء فيهم المؤمنون والكافرون .فكلهم ينالون حظهم من الرزق الذي كتب الله لهم في هذه الدنيا .
وهذا هو قوله:{يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} يرزق الله جميع الناس .ورزقُهُ لهم على أقدار متفاوتة .فيوسع على هذا ويضيِّقُ على هذا .وفي ذلك حكمة لله بالغة يعلمها هو سبحانه .
قوله:{وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} الله القوي الجبار ،الذي تهبط تحت قهره وجبروته كل القوى .وهو سبحانه العزيز .أي المنيع الجناب الذي لا يغْلبُهُ غالب .