قوله:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أي ما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم أو أهليكم أو أموالكم أو غير ذلك من وجوه المصائب فإنما ذلك عقوبة لكم من الله بما اجترحتم من السيئات والذنوب .
وذلك فضل من الله ورحمة منه بعباده ؛إذْ يعاقبهم في الدنيا ببعض العقوبات جزاء آثامهم وسيئاتهم ومعاصيهم بدلا من معاقبتهم على ذلك في النار يوم القيامة .ولا شك أن عقاب النار في الآخرة أليم وجيع وأنه أشد ويلا وفظاعة .وفي المعاقبة في الدنيا على السيئات ،جاء في الصحيح:"والذي نفسي بيده ما يصيب المؤمن من نَصَبٍ ولا وصب{[4110]} ولا هم ولا حزن ؛إلا كفَّر اللهُ عنه بها من خطاياه حتى الشوكة يُشَاكها ".
وذكر عن الحسن البصري في قوله تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} قال: لما نزلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده ما من خَدْشٍ عودٍ ولا اختلاج عِرْق ولا عثرة قدم إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ".
وروى الإمام أحمد عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ؛ابتلاه الله تعالى بالحزن ليكفرها ".
وذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ف هذا الصدد: ألا أحدثكم بحديث ينبغي لكل مؤمن أن يعيه ؟فتلا هذه الآية:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} قال: ما عاقب الله تعالى به في الدنيا فالله أحلمُ من أن يثني عليه بالعقوبة يوم القيامة ،وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرمُ من أن يعود في عفوه يوم القيامة .
قوله:{وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} أي يعفو الله عن كثير من ذنوب عباده وسيئاتهم فلا يعاقبهم بها .