/م27
الآية الأُخرى تجيب على هذا السؤال وتقول: ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) .
ثم إن هذا الجزاء ليس جزاءً على جميع أعمالكم القبيحة ،لأنّه ( ويعفو عن كثير ) .
ملاحظات
علّة المصائب:
ومن الضروري الإنتباه إلى بعض الملاحظات الواردة في هذه الآية:
1تبيّن هذه الآية وبوضوح أن المصائب التي تصيب الإنسان هي نوع من التحذير والعقاب الإلهي ( بالرغم من وجود بعض الإستثناءات التي سنشير إليها فيما بعد ) .
وبهذا الترتيب سيتوضح لنا جانب من فلسفة الحوادث المؤلمة والمشاكل الحياتية .
والطريف في الأمر أنّنا نقرأ في حديث عن الإمام علي( عليه السلام ) أنّه نقل عن الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم )قوله: «خير آية في كتاب الله هذه الآية ،يا علي ما من خدش عود ،ولا نكبة قدم إلا بذنب ،وما عفى الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه ،وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني على عبده »{[4135]} .
وهكذا فإنّ هذه المصائب إضافة إلى أنّها تقلل من حمل الإنسان ،فإنها تجعله يتزن في المستقبل .
2بالرغم من عمومية الآية وشمولها كلّ المصائب ،لكن توجد استثناءات لكل عامّ ،مثل المصائب والمشاكل التي أصابت الأنبياء والأئمة المعصومين( عليهم السلام )بهدف الإختبار أو رفع مقامهم .
وأيضاً المصائب بهدف الاختبار التي تشمل غير المعصومين .أو المصائب التي تحدث بسبب الجهل أو عدم الدقة في الأمور وعدم الإستشارة والتساهل والتي هي آثار تكوينية لأعمال الإنسان نفسه .
وبعبارة اُخرى فإن الجمع بين الآيات القرآنية المختلفةوالأحاديثيقتضي التخصيص في بعض الموارد بالنسبة لهذه الآية العامة ،وليس هذا موضوعاً جديداً ليكون محل نقاش بعض المفسّرين .
وخلاصة القول فإنّ هناك غايات مختلفة للمصائب والمشاكل التي تصيب الإنسان ،حيث تمّت الإشارة إليها في المواضيع التوحيدية وبحوث العدل الإلهي .
فالملكات تنمو وتتكامل تحت ضغط المصائب ،ويكون هناك حذر بالنسبة للمستقبل ،ويقظة من الغرور والغفلة وكفارة للذنب و ...
وبما أن أغلب أعمال الأفراد لها طبيعة جزائية وتكفيرية ،لذا فإنّ الآية تطرح ذلك بشكل عام .
ولذا فقد ورد في الحديث أنّه وعندما دخل علي بن الحسين( عليه السلام ) على يزيد بن معاوية ،نظر إليه يزيد وقال: يا على ،ما أصابكم من مصيبة فبماكسبت أيديكم ( إشارة إلى أنّ مأساة كربلاء هي نتيجة أعمالكم ) .
إلاّ أنّ الإمام( عليه السلام ) أجابه مباشرة: «كلا ما نزلت هذه فينا ،إنّما نزل فينا:( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم ) فنحن الذين لا نأسى على مافاتنا من أمر الدنيا ،ولا نفرح بما أوتينا »{[4136]} .
وننهي هذا الكلام بحديث آخر عن الإمام الصادق( عليه السلام ) فعندما سئل عن تفسير الآية أعلاه قال: تعلمون أن علياً وأهل بيته قد أصيبوا بالمصائب من بعده ،فهل كان ذلك بسبب أعمالهم ؟في حين أنّهم أهل بيت الطهر ،والعصمة من الذنب ،ثمّ أضاف: نص إنّ رسول الله كان يتوب إلى الله ويستغفر في كلّ يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب ،إنّ الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب{[4137]} .
3البعض يشكك في أن يكون المقصود من المصائب في هذه الآية مصائب الدنيا ،لأن الدنيا هي دار العمل وليس دار الثواب والجزاء .
وهذا خطأ كبير ،لوجود آيات وروايات متعددة تؤّكد أن الإنسان يرىأحياناًجانباً من نتيجة أعماله في هذه الدنيا ،وما يقال من أن الدنيا ليست داراً للجزاء ولا تتم فيها تصفية جميع الحسابات ،لا يعني عدم الجزاء بشكل مطلق ،حيث أن إنكار هذه الحقيقة يشبه إنكار البديهيات ،كما يقول المطّلعون على المفاهيم الاسلامية .
4أحياناً قد تكون المصائب جماعية ،وبسب ذنوب الجماعة ،كما نقرأ في الآية ( 41 ) من سورة الروم: ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) .
وواضح أن هذا يختص بالمجتمعات الإنسانية التي أصيبت بالمصائب بسبب أعمالها .
وورد في الآية 11 من سورة الرعد: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .
وهذه الآيات تدل على وجود إرتباط وعلاقة قريبة بين أعمال الإنسان والنظام التكويني للحياة ،فإذا سار الناس وفقاً لأصول الفطرة وقوانين الخلق فستشملهم البركات الإلهية ،وعند فسادهم يفسدون حياتهم .
وأحياناً قد يصدق هذا الأمر بخصوص آحاد الناس ،فكل إنسان سيصاب في جسمه وروحه أو أمواله ومتعلقاته الأُخرى بسبب الذنب الذي يرتكبه ،كما جاء في الآية أعلاه{[4138]} .
/خ31