/م27
ولهذه المناسبةأيضاً فإن الآية التي بعدها تتحدث عن أهم آيات علم وقدرة الخالق ،حيث تقول: ( ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة ) .
فالسموات بعظمتها ،بمجراتها وكواكبها ،بملايين الملايين من النجوم العظيمة اللامعة ،بنظامها الدقيق الذي يبهت الإنسان عند مطالعته لها .والأرض بمنابعها الحياتية ونباتاتها المتنوعة والورود والفواكه بمختلف البركات والمواهب والجمال !كلها تعتبر آيات وعلائم تدل عليه ...هذا من جانب .
ومن جانب آخر فالأحياء في الأرض والسماء ،كأنواع الطيور ،ومئات الآلاف من الحشرات ،وأنواع الحيوانات الأليفة والمتوحشة ،والزواحف ،والأسماك بأنواعها وأحجامها ،والعجائب المختلفة الموجودة في كلّ نوع من هذه الأنواع ،والأهم من ذلك حقيقة ( الحياة ) وأسرارها التي لم يستطع أحد التوصل إلى كنهها بعد آلآف السنين من البحوث لملايين العلماء ،كلّ ذلك هو من آيات الخالق .
والملفت للنظر أن ( دابة ) تشمل الكائنات الحية المجهرية التي لها حركات لطيفة وعجيبة ،وتشمل الحيوانات الكبيرة العملاقة التي يصل طولها إلى عشرات الأمتار ووزنها إلى عشرات الأطنان ،فكل صنف يسبّح على طريقته الخاصة ويحمد الخالق ،ويبيّن عظمته تعالى وقدرته وعلمه اللامحدود ،بلسان حاله .
وتقول الآية في نهايتها: ( وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ){[4133]} .
أمّا ما هو المقصود من جمع الأحياء الذي تذكره هذه الآية ؟فقد ذكر العديد من المفسّرين أنّه الجمع للحساب وجزاء الأعمال في القيامة ،ويمكن اعتبار الآيات التي تذكر القيامة بعنوان ( يوم الجمع ) دليلا على هذا المعنى ( مثل الآية 7 من نفس هذه السورة والآية 9 من سورة التغابن ) .
وهنا قد يطرح هذا السؤال وهو: هل أن جميع الأحياء سيحشرون يوم القيامة ،حتى غير الإنسان ؟حيث يقال أحياناً أن كلمة ( دابة ) تطلق على غير الإنسان .وهنا ستُطرح هذه المشكلة وهي كيف ستحشر الأحياء من غير الإنسان للحساب .في حين أنّها لا تتمتع بعقل ولا اختيار ولا تكليف ؟
وقد ورد جواب هذا السؤال في نهاية الآية ( 38 ) من سورة الأنعام: ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثمّ إلى ربهم يحشرون ) .
وقلنا أن حياة العديد من الحيوانات مقترنة مع نظام بديع وعجيب ،فما المانع من أن تكون أعمالها نتاج نوع من العقل والشعور فيها ؟وهل هناك ضرورة لأرجاع جميع هذه الأُمور إلى الغريزة ؟وفي هذه الحالة يمكن تصور نوع من الحشر والحساب لها ( اقرأ شرحاً أكثر لهذا الموضوع في ذيل تفسير الآية 38 من سورة الأنعام ) .
ويحتمل في تفسير الآية أعلاه أن المقصود من ( الجمع ) الجانب المقابلل ( بث ) ،أي أن ( بت ) تشير إلى خلق أنواع الكائنات الحية باختلافها ،ثمّ إذا شاء الخالق ( جمعها ) وأفناها .فكما أن العديد من الأحياء( على مدى التاريخ )انتشرت بشكل عجيب ،ثمّ انقرضت واختفت فيما بعد .كذلك جمعها وإبادتها يكون بيد الخالق ،فهي في الحقيقة تشبه الآيات التي تقول: يحيي ويميت ( أي الخالق ) .
وبهذا فإنّ قضية حساب الحيوانات سوف تكون أجنبية عن هذه الآية .
النجوم السماوية الآهلة:
من الإستنتاجات المهمّة التي نستنتجها من خلال هذه الآية ،أنّها تدل على وجود مختلف الأحياء في السماوات ،وبالرغم من عدم صدور الرأي النهائي للعلماء بهذا الخصوص ،إلاّ أنّهم يقولون وعلى نحو الإيجاز: هناك احتمال قوي بوجود عدد كبير من النجوم من بين الكواكب السماوية تحتوي على كائنات حية ،إلاّ أن القرآن يصرح بهذه الحقيقة من خلال: ( وما بث فيهما من دابة ) .
وما يقوله بعض المفسّرين من احتمال تخصص ( فيهما ) بالكرة الأرضية غير سديد ،لوجود ضمير المثنى والذي يعود إلى السماء والأرض معاً ،وكذلك لا يصح ما قيل في تفسير ( دابة ) بالملائكة ،لأن دابة تطلق عادة على الكائنات المادية .
ويمكن استفادة هذا المعنى أيضاً من خلال الآيات القرآنية المتعددة الأُخرى .
وفي حديث ورد عن الإمام علي بن أبي طالب( عليه السلام ) أنّه قال: «هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض مربوطة كلّ مدينة إلى عمود من نور »{[4134]} .
وهناك روايات اُخرى متعددة في هذا المجال ( يمكن مراجعة كتاب «الهيئة والإسلام » لمزيد من المعلومات ) .
وبما أن الآيات السابقة كانت تتحدث عن الرحمة الإلهية ،لذا يُطرح سؤال في هذا المجال ،وهو كيف تجتمع الرحمة وكل هذه المصائب التى تصيبنا ؟
/خ31