وقوله:( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) أي:مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هو عن سيئات تقدمت لكم ( ويعفو عن كثير ) أي:من السيئات ، فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها ، ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ) [ فاطر:45] وفي الحديث الصحيح:"والذي نفسي بيده ، ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ، إلا كفر الله عنه بها من خطاياه ، حتى الشوكة يشاكها ".
وقال ابن جرير:حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، حدثنا أيوب قال:قرأت في كتاب أبي قلابة قال:نزلت:( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ الزلزلة:7 ، 8] وأبو بكر يأكل ، فأمسك وقال:يا رسول الله ، إني لراء ما عملت من خير وشر ؟ فقال:"أرأيت ما رأيت مما تكره ، فهو من مثاقيل ذر الشر ، وتدخر مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة "قال:قال أبو إدريس:فإني أرى مصداقها في كتاب الله:( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) .
ثم رواه من وجه آخر ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال:والأول أصح .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، حدثنا الأزهر بن راشد الكاهلي ، عن الخضر بن القواس البجلي ، عن أبي سخيلة عن علي ، رضي الله عنه قال:ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل ، وحدثنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) . وسأفسرها لك يا علي:"ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا ، فبما كسبت أيديكم والله تعالى أحلم من أن يثني عليه العقوبة في الآخرة ، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله تعالى أكرم من أن يعود بعد عفوه "
وكذا رواه الإمام أحمد ، عن مروان بن معاوية وعبدة ، عن أبي سخيلة قال:قال علي . . . فذكر نحوه مرفوعا .
ثم روى ابن أبي حاتم [ نحوه] من وجه آخر موقوفا فقال:حدثنا أبي ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا أبو سعيد بن أبي الوضاح ، عن أبي الحسن ، عن أبي جحيفة قال:دخلت على علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، فقال:ألا أحدثكم بحديث ينبغي لكل مؤمن أن يعيه ؟ قال:فسألناه فتلا هذه الآية:( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) قال:ما عاقب الله به في الدنيا فالله أحلم من أن يثني عليه العقوبة يوم القيامة ، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعود في عفوه يوم القيامة .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا طلحة - يعني ابن يحيى - عن أبي بردة ، عن معاوية - هو ابن أبي سفيان ، رضي الله عنهما ، قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله عنه به من سيئاته ".
وقال أحمد أيضا:حدثنا حسين ، عن زائدة ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن عائشة قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا كثرت ذنوب العبد ، ولم يكن له ما يكفرها ، ابتلاه الله بالحزن ليكفرها ".
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي ، حدثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن - هو البصري - قال في قوله:( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) قال:لما نزلت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"والذي نفس محمد بيده ، ما من خدش عود ، ولا اختلاج عرق ، ولا عثرة قدم ، إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ".
وقال أيضا:حدثنا أبي ، حدثنا عمر بن علي ، حدثنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، رضي الله عنه ، قال:دخل عليه بعض أصحابه وقد كان ابتلي في جسده ، فقال له بعضهم إنا لنبتئس لك لما نرى فيك . قال:فلا تبتئس بما ترى ، فإن ما ترى بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر ، ثم تلا هذه الآية:( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )
[ قال:] وحدثنا أبي:حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، حدثنا جرير عن أبي البلاد قال:قلت للعلاء بن بدر:( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) ، وقد ذهب بصري وأنا غلام ؟ قال:فبذنوب والديك .
وحدثنا أبي:حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا وكيع ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن الضحاك قال:ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ، ثم قرأ الضحاك:( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) . ثم يقول الضحاك:وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن .