قوله:{ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرّحمان لبيوتهم سقفا من فضّة}{أمة} ،بمعنى دين أو ملة .و{لبيوتهم} ،بدل اشتمال من الموصول{لمن} وسقف بالضم جمع سقف{[4135]}{ومعارج} ،جمع معراج وهو السلم أو الدرج .والمعارج بمعنى المراقي والسلاليم .وعليها يظهرون ،أي يرتقون ويصعدون على المراقي والسلاليم .
وهذه الآية تدل على هوان الدنيا على الله وأنها لبالغ حقارتها وبساطتها لا تزن عند الله جناح بعوضة .ولولا اغترار الناس بزينة الحياة الدنياوشدة تلبسهم بها وبشهواتها ،وإدبارهم عن الله والدار الآخرة وفرط جنوحهم للكفر طمعا في نعيم الدنيا ولذائذها لأفاض الله على الكافرين من وافر الخيرات والنعم ،فلجعل سقف بيوتهم ومراقيهم ومتكئاتهم من الفضة والذهب مبالغة في إسباغ الخير والزينة عليهم .فإذا رأى الناس ذلك سارعوا في الكفر ولجوا في الطغيان والضلال والفسق عن دين الله طلبا لزهرة الحياة الدنيا ومتاعها مما حظي به الكافرون .وحينئذ يصير الناس جميعا إلى ملة واحدة ،وهي ملة الكفر .قال المفسرون في معنى الآية: لولا أن يكفر الناس جميعا بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الآخرة لأعطى الله الكافرين في الدنيا ما وصفه في الآية ،وذلك لهوان الدنيا عند الله ،فقد ذكر الله حقارة الدنيا وهوانها بحيث كان يجعل بيوت الكفرة ودرجها ذهبا وفضة لولا غلبة حب الدنيا على الآخرة فيحمل ذلك على الكفر ،قال الرازي في معنى الآية: لولا أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكافر في سعة من الخير والرزق لأعطيتهم أكثر الأسباب المفيدة للتنعم .
وقال صاحب الكشاف: لولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه لجعلنا لحقارة زهرة الحياة الدنيا عندنا للكفار سقوفا ومصاعد وأبوابا وسررا كلها من فضة وجعلنا لهم زخرفا ،أي زينة من كل شيء .والزخرف: الزينة والذهب .فإن قلت: فحين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كان يؤدي إليها التوسعة عليهم من إطباق الناس على الكفر لحبهم الدنيا وتهالكهم عليها فهلا وسّع على المسلمين ليطبق الناس على الإسلام ؟قلت: التوسعة عليهم مفسدة أيضا لما تؤدي إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا ،والدخول في الدين لأجل الدنيا من دين المنافقين .