قوله:{أهم يقسمون رحمت ربّك} الاستفهام للإنكار .وذلك رد لاعتراض المشركين على بعث محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فإن الله وحده الذي يصطفي من عباده من يشاء لحمل الرسالة ،وليكون للناس بشيرا ونذيرا ،و الله جل وعلا أعلم حيث يجعل رسالته ،فليس ذلك من شأن هؤلاء المشركين الجاهلين .
قوله:{نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا} أي كما قسم الله رحمته وكرامته بين من شاء من عباده الأخيار ليكونوا نبيين ومرسلين كذلك قسم الله بين العباد معيشتهم في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأموال ومختلف أنواع النعم ،فيكون فيهم الكيّس والخامل ،والغبي والفطن ،والعيي واللّسن ،والأغنياء والفقراء .فكان الناس بذلك مختلفين في الطاقات والقدرات ،والمواهب والاستعدادات ،ليكونوا بذلك متفاوتين في الدرجات .وهو قوله سبحانه:{ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} أي فاضل الله بين عباده فجعل بعضهم أفضل من بعض في حاجات الدنيا وفي مظاهرها ومتاعها ،كالرزق والرياسة والعلم والفهم ،فهم في ذلك كله متفاوتون متباينون ،فإن فيهم الغني والفقير ،والذكي والغبي ،والعالم والجاهل ،والناشط والعاجز ،،والشجاع والخائر .وفيهم ذو الهمة المترفع والصفيق المتبلّد .وهكذا الناس جميعا مختلفون في جبلاتهم وطبائعهم واستعدادتهم .وذلك يفضي بالضرورة إلى الاختلاف والتفاوت في أرزاق العباد ،وفي درجاتهم في الحياة الدنيا{ليتّخذ بعضهم بعضا سخريّا} أي ليستخدم بعضهم بعضا ،فيستخدم الغني الفقير ،والرئيس المرءوس ،والقوي الضعيف ،والعالم الجاهل ،والذكي من دونه من أولي الغباوة وهوان العقل .
قوله:{ورحمت ربّك خير مما يجمعون} المراد بالرحمة ما كتبه الله لعباده الصالحين من وجوه النعم وعظيم الجزاء في الآخرة .لا جرم أن ذلك خير مما يجمعه الغافلون من الأموال وأوجه المتاع في حياتهم الدنيا .