قوله:{وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} يمتن الله على المؤمنين ،إذ كف أيدي الأعداء المشركين عنهم فلم يصبهم منهم سوء .وكذلك كف الله أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام بل حفظ الله كلا من الفريقين وأوجد بينهم صلحا كان فيه الخير والمصلحة للمسلمين .
قال ابن جرير الطبري في تأويل الآية: يعني أن الله كف أيدي المشركين الذين كانوا خرجوا على عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية يلتمسون غرتهم ليصيبوا منهم ،فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بهم أسرى فخلى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنّ عليهم ولم يقتلهم .
وفي كف المشركين عن المسلمين ودفع أذاهم عنهم روى الإمام أحمد بإسناده عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة بالسلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة{[4265]} رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فأخذوا ،فعفا عنهم ،ونزلت هذه الآية .
وروى أحمد عن عبد الله بن مغفل المدني ( رضي الله عنهما ) قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم .وعلي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وسهيل بن عمرو بين يديه .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي ( رضي الله عنه ):"اكتب بسم الله الرحمان الرحيم "فأخذ سهل بيده .وقال: ما نعرف الرحمان الرحيم .اكتب في قضيتنا ما نعرف .فقال:"اكتب باسمك اللهم ".وكتب:"هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة ".فأمسك سهيل بن عمرو بيده وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله ، اكتب في قضيتنا ما نعرف .فقال:"اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ".فبينا نحن كذلك ،إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله تعالى بأسماعهم فقمنا إليهم فأخذناهم .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل جئتم في عهد أحد ؟أو هل جعل لكم أحد أمانا ؟"فقالوا: لا ،فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى الآية .
قوله:{وكان الله بما تعملون بصيرا} الله عليم بأعمال العباد ،لا يخفى عليه منها شيء{[4266]} .