قوله تعالى:{فبما نقضهم ميثقهم لعنهم وجعلنا قلوبهم قسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف واصفح إن الله يحب المحسنين} .
قوله:{فبما نقضهم} الباء السببية .وما زائدة تفيد التوكيد .وميثاقهم مفعول به للمصدر .أي بسبب نقضهم ميثاقهم{لعنهم} أي طردناهم وأبعدناهم من الخير ومن رحمتنا عقوبة لهم .وقيل: معنى الطرد هنا مسخهم قردة وخنازير ،والأول أقوى .وكذلك عاقبهم الله بقسوة قلوبهم إذ قال:{وجعلنا قلوبهم قاسية} .
قوله:{يحرفون الكلم عن مواضعه} أي لفرط ما ران على قلوبهم من الكزازة والقسوة وما غشيهم من الغلظة واليبوسة صاروا يتأولون كتاب الله"التوراة "على غير تأويله الصحيح أو يبدلون حروفه وكلماته تبديلا .وكذلك تركوا نصيبا عظيما من كتابهم التوراة مما جاء فيه ذكر محمد صلى لله عليه وسلم وأمره بتصديقه واتباعه لكنهم كذبوه وناصبوه الكيد والعداء من أول يوم .وذلك تأويل قوله:{ونسوا حظا مما ذكروا به} .
قوله:{ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم} أي لا تزال يا محمد تقف على خيانة هؤلاء المغضوب عليهم .وقوله خائنة بمعنى خيانة .أي أن الخيانة والغدر ديدنهم وعادتهم{إلا قليلا منهم} وذلك استثناء متصل .والمراد بالقليل المستثنى عبد الله بن سلام وغيره ممن صدق وأيقن .
قوله:{فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين} وذلك إذا تابوا عن الخيانة والغدر ودفعوا الجزية .والتقدير: اعف عنهم واصفح ما داموا على عهدك وهم أهل ذمة ولم يخونوك .وقيل: هذا منسوخ بآية السيف{قتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} .
قوله:{إن الله يحب المحسنين} العفو والصفح من الإحسان .وذلك من خلق المؤمنين الصادقين .وفي الآية تحضيض على العفو والصفح{[921]} .