قوله:{إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا} بعد أن نهى الله في الآيات السابقة عن موالاة الكافرين ذكر عقب ذلك من هو حقيق بالموالاة بطريق القصر في قوله:{إنما} فلا تنبغي الموالاة لأحد من المشركين الذين يحادون الله ورسوله والذين يكيدون للإسلام والمسلمين في كل آن ،وهذا ديدنهم في كل حال .بل الموالاة لله وحده ولرسوله والمؤمنين .أي أن الكلمة{إنما} تفيد وجوب اختصاص المذكورين بالموالاة وهو الله ورسوله والمؤمنون دون غيرهم من الخلق .أما قوله:{وليكم} بالإفراد وليس الجمع ،إذ لم يقل أوليائكم ،فتأويله أن أصل الكلام: إنما وليكم الله .فجعلت الولاية لله على طريق الأصالة ثم جعلت لرسول الله والمؤمنين على سبيل التبع .
أما المراد بقوله:{والذين ءامنوا} فهو عامة المؤمنين ،وذلك لأن عبادة بن الصامت لما تبرأ من اليهود وقال: أنا بريء إلى الله من حلف قريظة والنضير ،وأتولى الله ورسوله هذه الآية على وفق قوله .وروي كذلك أن عبد الله بن سلام قال: يا رسول الله إن قومنا قد هجرونا وأقسموا أن لا يجالسونا ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل فنزلت هذه الآية فقال: رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء .وهذا يدل على أن الآية عامة في حق كل المؤمنين ،فكل مؤمن هو ولي كل المؤمنين .يدل على ذلك قوله تعالى:{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} .
وروي عن ابن عباس أن المراد بالذين آمنوا ،علي بن أبي طالب .وفي رواية عنه أخرى أن المراد هو أبو بكر .والصحيح القول الأول ،وهو أن المراد كل المؤمنين ،استنادا إلى عموم الآية هذه وغيرها من الآيات الدالة على أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض .
قوله:{الذين يقيمون الصلاة} الذين بدل من الذين آمنوا .أو صفة له ،أو خبر لمحذوف تقديره هم .أو النصب على المدح .والغرض من ذكر المؤمنين هنا هو تمييز المخلصين منهم عمن يدعون الإيمان وهو مفرطون ،لكن المؤمنين الخلص يكشف عن صدقهم وإخلاصهم أداؤهم للصلاة وإيتاؤهم للزكاة ..وهذا مقتضى قوله:{الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} .
وقوله:{وهم راكعون} الواو للحال .والجملة حالية .أي يعملون ذلك حال الركوع وهو بمعنى الخشوع والخضوع والإخبات والتواضع أي أنهم يصلون ويزكون وهو خاضعون منقادون لأوامر الله ونواهيه .وقيل: المقصود بالركوع الصلاة .وقد خص الركوع بالذكر تشريفا له كقوله تعالى:{واركعوا مع الراكعين} .وقيل: حال من فاعل الزكاة .أي أنهم يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة .فقد ذكر أنها نزلت في علي كرم الله وجهه عندما سأله سائل وهو راكع في صلاته فنزع خاتمه من خنصره فطرحه له متصدقا به عليه على سبيل التطوع .ونميل للتأويل الأول على أنه الراجح ،لأن محل لفظ الزكاة على التصدق بالخاتم فيه بعد .ذلك أن الزكاة لا تأتي إلا بلفظها الخاص بها وهو الزكاة المفروضة فهي اسم للواجب لا للمندوب{[1008]} .
على أن اعتبار قوله:{وهو راكعون} حالا من قوله:{ويؤتون الزكاة} أي في حال ركوعهم ،فيه ضعف .لأنه لو كان ذلك كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ،لأنه مذكور هنا في معرض المدح .وهو ما لا يقوله من يعتبر قوله .