قوله:{إنما النجوى من الشيطان} يعني إنما تصدر المناجاة أو المسارة بين المنافقين عقب تسويل الشيطان لهم ،فإنه لمن طبع الشيطان الخبيث أن يزين لأتباعه من الظالمين والمنافقين فعل المنكرات والمعاصي .وههنا يزين الشيطان اللعين للمنافقين أن يتناجوا بينهم بالشر والمكر والأذى{ليحزن الذين آمنوا}، كانت المناجاة أو المسارة بين المنافقين تغيظ المسلمين أو تثير في نفوسهم الخوف والقلق والريبة ،إذ يتوهمون حصول المكاره لهم{وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله} أي أن التناجي بين المنافقين لا يضر المسلمين شيئا إلا أن يشاء الله ،فما يقع للمرء من أمر ولا حدث ولا خطب في الخير أو السوء إلا مما قدره له الله .
قوله:{وعلى الله فليتوكل المؤمنون} على المؤمنين في كل الأحوال أن يعتمدوا على ربهم فيعولوا عليه تعويلا ،ويفوضوا أمرهم كله إليه فعليه الاعتماد والاستناد والتكلان{[4483]} .
وقد وردت السنة الكريمة بالنهي عن التناجي والمسارة إن علم المتناجون أن ذلك يحزن من كان بجانبهم من الناس ،فيتأذون أو يرتابون ويتوهمون .فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ،فإن ذلك يحزنه "وفي الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد "يتبين من ذلك النهي عن التناجي بين اثنين في حضرة ثالث ،لما في ذلك من إحزان له أو إثارة للشك والقلق في نفسه .ويستوي في هذا النهي ما إذا كان المتناجون كثرة أو قلة ،ثلاثة أو عشرة أو ألفا ،فما ينبغي لهم أن يتناجوا في معزل عن واحد منهم وهو يراهم يتناجون ويتسارون ،فيقع في قلبه الخوف والارتياب منهم .