{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} في إيحاءاته التهويلية ،وأساليبه التخويفية في إثارة الهزيمة النفسية بوسائله المتعددة المثيرة ،{لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُواْ} في ما قد يتحسسونه في مشاعرهم من الشعور بالإحباط في العزيمة ،عندما يخيّل إليهم بأنهم محاصرون من كل الجهات ،ومراقبون من كل الناس ،وملاحقون من جميع القوى التي تجتمع فيما بينها في الدوائر السرية ،لتخطط لإضرارهم والإيقاع بهم والكيد لهم في جميع أمورهم ،مما يحشد حياتهم بالحزن العميق الممتد في كيانهم كله .وهذا ما تحاوله القوى الكافرة المستكبرة المتمثلة في تحريك الأجهزة السرية التجسسية المخابراتية ،لتطويق القوى المؤمنة المستضعفة ،والتي تتحرك في مواقع الإيمان والحرية والعدالة ضد المستكبرين والظالمين والكافرين ،وتحويل الإعلام إلى وسيلةٍ من وسائل الإثارة النفسية في تهويل الأوضاع بالمستوى الذي تسقط معه الإرادة الإيمانية الواعية، المتحدية أمام الحديث عن ضخامة هذه الأجهزة وسيطرتها المطلقة ،وخططها الخفية الدقيقة التي تلاحق أهدافها ،فلا تخطيء في أيّ موقعٍ من مواقعها ،لتستسلم الشعوب لها في سقوطها الكبير تحت تأثير الهزيمة النفسية .
وتلك هي الإيحاءات الشيطانية التي تريد من خلالها أن يحزن الذين آمنوا ،ليقودهم الحزن إلى اليأس والسقوط من دون فرقٍ بين شياطين الإنس والجن ،في الوسائل البدائية أو المتحضرة .
ولكن الله يريد للمؤمنين أن يستمدوا قوتهم من قوته ،وإرادتهم من إرادته ،ليستثيروا عمق هذا الإيمان في إيحاءاته الروحية التي تفتح للعقل النافذة الواسعة على الفكرة الإيمانية في خضوع الكون لله في كل شيء ،فلا يملك أي مخلوق النفع أو الضرر إلا بإذن الله ،في إرادته المتعلقة بالأشياء بشكل مباشر أو غير مباشر ،فللإنسان أن يواجه الموقف بكل قوة ،متوكلاً على الله ،بعد استجماع كل الأسباب التي أدار الله الكون من خلالها ،بكل تفاصيله ،ليعلم بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ،وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ،وأن الله على كل شيءٍ قدير ،الأمر الذي يجعل التحدي هو علامة القوة في شخصية المؤمن ،أمام الآخرين الذين يريدون إسقاط شخصيته من خلال إسقاط إرادته ،وهذا ما أراد الله أن يؤكده في هذه الفقرة التالية ،في حديثه عن المؤمنين .
{وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} ،في قوانينه الجزئية أو الكلية في حركة الكون والحياة والإنسان ،فلا يخافوا من شيء ولا يحزنوا على شيء ،{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}في ما يوحي به التوكل من الثقة بالله ،والإسلام لأوامره ونواهيه ،ورفض الخوف من القوى الخفية الكامنة في الحياة والإنسان .