{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} ، وهذا نداء للمؤمنين من أجل استثارة إيمانهم ليتحرك في عمق شخصيتهم ،من أجل أن تبقى الشخصية تجسيداً للإيمان الحي ،فتلتزم بثوابته ،وتستقيم على خطه ،ولا تهتز في مواقع الهزاهز ،ولا تنحرف في خطوط الانحراف ،من خلال طبيعة المجتمع الذي قد يضغط على أفراده ،فيسقطون تحت تأثير ضغطه ،كما يحدث للكثيرين الذين يتأثرون في حياتهم العامة بالأوضاع المنحرفة في مواقفهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مع إخلاصهم العملي في المسألة العبادية ،لغفلتهم عن امتداد الإيمان في حياتهم العملية .
ولهذا أراد الله في هذا النداء أن يدفعهم إلى الصدمة التي تهز أعماقهم في الصميم ،ليبتعدوا عن الخضوع للتيارات الضاغطة في المجتمع ،في ما توحي به من الإثم والعدوان ومعصية الرسول ،ليتمردوا على ذلك لمصلحة التيار الإيماني الرسالي ،ليكون جوُّ النجوى موحياً بالتفكير العقلاني الهادىء الذي ينفتح على الخير والتقوى من أوسع أبوابهما .
{وَتَنَاجَوْاْ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} لأن هذين الخطين هما اللذان يبنيان الحياة في مواقع السمو الروحي والعملي ،في ما توحي به كلمة البر من المعنى الشامل الذي يشمل كل القيم الروحية والاجتماعية في الحياة ،وفي ما توحي به كلمة التقوى من المراقبة الدائمة لله في كل النبضات الروحية والانطلاقات الفكرية والخطوات العملية والمواقف السلبية والإيجابية ،ليكون الإنسان إنسان الله الذي يوحي لنفسه بالحب له والخوف منه والرغبة العميقة في الحصول على رضاه .
{وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} مما يجعل التقوى الخط العريض للحياة ،الذي لا يقتصر على حالة النجوى ،كما يوحي بالمسؤولية في الموقف العظيم الذي يقف فيه الجميع في يوم المحشر ،ليواجهوا لحظات الحساب الكبير .