{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُواْ عَنِ النَّجْوَى} فقد يبدو من الآية أن هناك قوماً كانوا يجتمعون في اجتماعاتٍ سريةٍ ويتحدثون فيما بينهم بطريقةٍ توحي بالإثارة التي تترك مجالاً واسعاً للخوف والقلق في طبيعة المواضيع العدوانية ضد المسلمين ،وأن النبي كان قد نهاهم عن ذلك ،فيعدونه بالإمتناع{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} تمرداً وعناداً واستهتاراً .
{وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} ،فقد كان هؤلاء من المنافقين ،أو من اليهود الذين كانوا يعملون على تركيز قاعدة النفاق في محاولاتهم المتنوعة في إرباك الواقع الإسلامي في حياة الرسول( ص ) والمسلمين ...ولهذا فقد كانت نجاواهم تتضمن التخطيط للإثم في ارتكاب ما حرمه الله ،والعدوان على الأمن الإسلامي العام ،ومعصية الرسول( ص ) ،في ما يأمر به أو ينهى عنه ،في ما يتعلق بالتشريع أو بإدارة الحكم الإسلامي في مفرداته التنظيمية .
التحية بين الجاهلية والإسلام:
{وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} كدلالةٍ على الخبث والعداوة والاستهانة بك ،وقد جاء في أسباب النزول بما معناه أن أناساً من اليهود دخلوا على رسول الله( ص ) وقالوا: السام عليك يا أبا القاسم ،والسام هو الموت ،فقال الرسول: وعليكم ،فنزلت هذه الآية[ 1] .وقد دلّت هذه الرواية على اللباقة الرائعة التي كان يتمتع بها الرسول( ص ) ،حيث كان يردّ على العدوان ،بكل هدوءٍ وإخلاصٍ ،من دون إثارة أية مشكلةٍ أو ضجة ،ليفهم المعتدي طبيعة الرد ،فيتصاغر لدى نفسه ،ويعرف بأن الرسول لم يكن ساذجاً في موقفه ليترك للسخرية أن تأخذ مجالها في طريقتهم ،ليذهبوا ويقولوا لجماعتهم بأن الرسول لم ينتبه للفرق بين كلمة السام وكلمة السلام ،إذا أجابهم بقوله: وعليكم السلام .
وربما نحتاج إلى استيحاء هذا الأسلوب في ما قد نواجهه من أمثال هذا الأسلوب من أعداء الإسلام ،لنتعلم اللباقة الهادئة في الرد ،في مواجهة هذا المنطق .
وقد جاء في تفسير القمي: أنهم كانوا يحيونه بقولهم: أنعم صباحاً وأنعم مساءً ،وهو تحية أهل الجاهلية[ 2] ،بينما كان الله يحييه بتحية الإسلام وهي السلام عليكم ،لأنهم لا يريدون للتشريع الإسلامي في التحية أن يأخذ دوره الطبيعي في الحياة العامة للناس .
وهذا ما ينبغي للمسلمين أن يثيروه في حياتهم الاجتماعية ،فيؤكدوا تحية الإسلام في تقاليدهم ،لأن ذلك هو مظهر أصالة الشخصية الإسلامية التي تلتزم الإسلام في الكلمة المميزة والفكرة الغنية والأسلوب الفريد الذي يتميز به الإسلام عن غيره ،ما قد يجعلنا نفكر بأن وحدة المعنى لا تكفي في طريقة التعبير ،بل لا بد من التأكيد على الكلمة الواحدة في تقاليد الشريعة .
{وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} أي لو كان محمد نبياً لنزل علينا العذاب بما نقوله من الكلمات التي تتحداه وتسخر به وتسيء إليه ،تماماً كما لو كانوا يستعجلون العذاب كدليلٍ على عدم صدقه .ولكن الله يجيبهم على ذلك بأن النتيجة التي سيصلون إليها إن عاجلاً أو آجلاً ستعرفهم حقيقة الموضوع .
{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} فقد أعدها الله للكافرين وللمعاندين .