قوله تعالى:{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ( 159 ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون} .
نزلت آية المفرقين لدينهم في اليهود والنصارى .فقد اختلفوا قبل مبعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فتفرقوا فلما بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قولان:{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} وقيل: نزلت في كل أهل الكفر والضلال والبدع .وقرأها بعضهم"فارقوا "أي فارقوا دينهم ،إذ تركوه وارتدوا عنه ،من المفارقة .وقرأها آخرون بالتشديد"فرقوا "أي جعلوا دينهم متفرقا فأخذوا ببعضه وتركوا بعضه .
وشيعا ،أي فرقا وطوائف وأحزابا .وأولى التأويل في المراد بالمفرقين ،القول بأن الآية عامة ،لأن اللفظ يفيد العموم فيدخل فيه كل طوائف الكافرين من أهل الكتاب والمشركين وغيرهم من المبتدعين من أهل الإسلام .من أولي الأهواء والضلالات والبدع المختلفة التي لا تستند إلى دليل من كتاب أو سنة أو إجماع معتبر إلا القول بالهوى والتشهي والجنوح المغالي خلف الشيطان الذي يهتف بأمثال هؤلاء الأغرار والجهال والحمقى ليغريهم بإيحاءاته ووسوساته ونفثاته كيما يغويهم إغواء وليضلهم عن صراط الله الحق .صراط الإسلام السوي الذي يستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .والإسلام بعقيدته السمحة الوضيئة وتشريعه الواسع المنبسط وتصوره الواضح المنضبط ،مستبين وظاهر لا يقبل التضليل أو التوهيم أو الخداع ولا يقبل كل صور الاستغراق المريب في بحور الشطحات الذهنية الشاردة والضلالات المفتراة البلهاء التي يصطنعها التائهون المغرورون من أهل البدع .لا جرم أن ذلك ضلال مبين وأنه مجانبة صارخة لحقيقة الإسلام الساطع الأبلج .فلا مساغ بعد وضوح العقيدة وما ينبثق عنها من شريعة عظيمة هائلة مستفيضة أن تطفو على سطح المجتمع الإسلامي فرق وطوائف ليست موضع ائتمان ووثوق .فهي جماعات قليلة هزيلة تائهة في ضلالها الشاطح وبالرغم مما يبتلى به الإسلام والمسلمون من حين لآخر بمختلف الأهواء والضلالات والبدع فلسوف تبقى كلمة الإسلام هي الأقوى والأمثل والأجل .وذلكم هو الإسلام الكامل الشامل القائم على الكتاب والسنة .ولسوف يبقى المسلمون على اختلاف أجناسهم وأوطانهم ولغاتهم ،وعلى كثرة أعدادهم وجموعهم ،وترامي بلدانهم وبقاعهم – ممتثلين لمنهح الله وحده دون غيره من مناهج الأرض وإفرازات البشر ،ليظلوا على مر الزمن أمة واحدة متماسكة يشد بعضها بعضا بعيدا عن ظواهر الزيغ والتفرقة والأهواء والضلالات ،وليقفوا صفا منيعا متراصا في وجه الأعاصير الفكرية والمذهبية الخطيرة المحدقة التي تدهمهم دهما .وذلك كالوثنية والإباحية والاشتراكية والرأسمالية وكل وجوه الضلال والزندقة والكفر على اختلاف صوره وألوانه .
قوله:{لست منهم في شيء} أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم بريء كل البراءة من أولئك الذين فارقوا دينهم الحق أو فرقوه وكانوا فيه فرقا وأحزابا شيعا فهو ليس منهم ،ولا هم منه ،لأنه على الدين الحق الذي بعثه الله به وهو الإسلام دين إبراهيم الذي جاء بالحنفية .فمن فارق دين الحنفية التي جاء بها إبراهيم من ربه إلى حيث الكف فقد برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان المفارق يهوديا أو نصرانيا أو مبتدعا ضالا من أهل الإسلام .
قوله:{إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} ذلك وعيد من الله لهؤلاء الذين فرقوا دينهم وكانوا أحزابا وطوائف .فالله يتوعدهم بأنه سائلهم يوم القيامة عن أفعالهم المريبة ومخالفتهم لشرع الله ،ليلاقوا في مقابلة ذلك جزاءهم من العقاب .