{شِيَعًا}: الشيع: الفرق التي يمالىء بعضهم بعضاً على أمر واحد مع اختلافهم في غيره ،وقيل: إن أصله من الظهور ،يقال: شاع الخبر يشيع شيوعاً: ظهر ،وشيّعت النار إذا ألقيت عليها الحطب فكأنك تظهرها .وقال الزجّاج: أصله الاتّباع يقال: شاعكم السلام وأشاعكم السلام أي: تبعكم السلام ...فمعنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضاً .
التنديد بإثارة الخلاف والتفرقة في الدين الواحد
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} .اختلف المفسرون فيمن هم الذي فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً ،أي: فرقاً ،فقال بعضهم إنهم المشركون ،في ما اختلفوا فيه من عبادة الأصنام أو الكواكب ،أو الأشخاص ،أو النور والظلمة ،وقال بعضهم: إنهم أهل الكتاب ،اليهود والنصارى ،في ما اختلفوا فيه من طوائف متعددة ضمن الدين الواحد ،وقال بعضهم: إنهم المسلمون ،وقال بعض آخر: إنهم كل أهل الملل .
وقد لا يهمنّا كثيراً في الجانب التفسيري ،أن نقف على رأي حاسم في المسألة ،لأن ذلك لا يقدم شيئاً ولا يؤخر في الفكرة العامة للآية ،وهي التنديد بإثارة الخلاف والتفرقة في الدين الواحد ،انطلاقاً من المطامع والأهواء والشهوات ،لأن النبيّ بريءٌ من كل الناس الذين يتحركون في حياتهم انطلاقاً من هذه الخلفيّات الذاتية التي يحاول أصحابها أن يستخدموا القضايا العامة في سبيل تحقيق المصالح الخاصة ،بقطع النظر عن طبيعة هذه أو تلك .وربما كان المراد هو الإيحاء بأن هؤلاء ليسوا أصحاب دين ليلتقي معهم النبي في ما يمكن أن يتحقق فيه اللقاء من الدين الذي ينتمون إليه ،لأنهم لو كانوا يؤمنون بدينهم ،أو يحترمونه ،لما عملوا على تحقيق الفرقة في داخله وإضعاف قوته المنطلقة من خط الوحدة الذي يحكمه ،في عقيدته وشريعته .
وفي ضوء ذلك ،يمكن أن نستوحي منها الفكرة الشاملة للمسلمين الذين يعملون لإخضاع الإسلام لمصالحهم وأغراضهم ،وزرع الفتنة والخلاف في داخل تجمعاته ،في محاولة كل طرف أن ينسب منهجه وطريقته إلى رسول الله ،فيكون التأكيد موجهاً إلى أمثال هؤلاء ،كما هو موجّهٌ إلى اليهود والنصارى ،{لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} أي: فأعرض عنهم ولا تتعقد منهم ،بل واصل سيرك في ما تؤمن به من خطٍّ ومن صراطٍ مستقيم .أمّا هم فسيواجهون الله غداً بكل أعمالهم{ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} من دسائس وفتنٍ وموبقات .