قوله تعالى:{وما الحيوة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الأخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون}
الحياة مبتدأ .ولعب خبره واللعب: ما يشغل النفس عما تنتفع به .وقيل: ما يشغل الإنسان عما يغنيه ويهمه .واللهو: صرف النفس من الجد إلى الهزل{[1153]} .
وذلك رد وتقبيح لما يتصور الكافرون في قولهم:{إن هي إلا حيتنا الدنيا} فالله يبين لهم أن هذه الحياة الزائلة السريعة بكل ما حوته من لذائذ ونعم ومباهج وزخارف ليست إلا لعبا تنشغل به النفوس فتذهل عن وجائبها الكبرى .أو هي لهو يهيم خلاله الساهون اللاهون فترة من زمان لتؤول بعد ذلك إلى زوال محتوم يأتي عقيبه فجائع جسام وأهوال مريعة عظام تنتظر الآثمين الذين استعاضوا عن الآخرة بلعاعة الدنيا الفانية .
قوله:{وللدار الأخرة خير للذين يتقون} اللام الأولى لام الابتداء واللام الثانية للتعريف .والدار مبتدأ وخبره{خير}{[1154]} يبين الله سبحانه أن الدار الآخرة بنعيمها المستديم الباقي وبكل ما حوته من ضروب الخير والنعمة والجمال مما يظل على الدوام سرمدا فلا يفنى ولا يزول .ولا يأتي عليه مرور الأدهار والسنين .لا جرم أن ذلك خير من الدنيا القاصرة العاجلة التي تمر مر السحاب وتغرر ببريقها المخادع تغرير السراب .إذ ذلك خير للذين يتقون الله ،إذ يخشونه حق الخشية ويخافون جلاله وسلطانه خوفا يحفزهم لعمل الطاعات ويحول بينهم وبين السيئات والخطيئات .
وقوله:{أفلا تعقلون} يعني أفلا يعقل هؤلاء المكذبون بيوم القيامة ،السادرون في الغي واللهو ،المدبرون عن طاعة الله – حقيقة ما نبينه لهم من أن الحياة الدنيا قصيرة وفانية وأنها مجرد لهو تنشغل به الأذهان والقلوب عن طاعة الله وعن فعل الخيرات والطاعات .وها هم يرون بأعينهم ويدركون بإحساسهم أن الناس جميعا ميتون فرادى وجماعات .وأنه ما من موجود حي إلا ويأتي عليه داهم الموت المحقق أفلا يدّكرون أو يتدبرون مثل هذه الحقيقة ؟!