ثمّ لبيان نسبة الحياة الدنيا إِلى الحياة الآخرة ،يقول الله تعالى: ( وما الحياة الدنيا إِلاّ لعب ولهو ) فهؤلاء الذين اكتفوا بهذه الحياة ،ولا يطلبون غيرها ،هم أشبه بالأطفال الذين يودون أن لو يقضوا العمر كلّه في اللعب واللهو غافلين عن كل شيء .
إِنّ تشبيه الحياة الدنيا باللهو واللعب يستند إِلى كون اللهو واللعب من الممارسات الفارغة السطحية التي لا ترتبط بأصل الحياة الحقيقية ،سواء فاز اللاعب أم خسر ،إِذ كل شيء يعود إلى حالته الطبيعية بعد اللعب .
وكثيراً ما نلاحظ أنّ الأطفال يتحلقون ويشرعون باللعب ،فهذا يكون «أميراً » وذاك يكون «وزيراً » وآخر «لصاً » ورابع يكون «قافلة » ،ثمّ لا تمضي ساعة حتى ينتهي اللعب ولا يكون هناك «أمير » ولا «وزير » ولا «لص » ولا «قافلة » !أو كما يحدث في المسرحيات أو التمثيليات ،فنشاهد مناظر للحرب أو الحبّ أو العداء تتجسد على المسرح ،ثمّ بعد ساعة يتبدد كل شيء .
والدنيا أشبه بالتمثيلية التي يقوم فيها الناس بتمثيل أدوار الممثلين ،وقد تجتذب هذه التمثيلية الصبيانية حتى عقلاءنا ومفكرينا ،ولكن سرعان ما تسدل الستارة وينتهي التمثيل .
«لعب » على وزن «لزج » من «اللعاب » على وزن «غبار » وهو الماء الذي يتجمع في الفم ويسيل منه ،فإِطلاق لفظة «اللعب » على اللهو والتسلية جاء للتشابه بينه وبين اللعاب الذي يسيل دون هدف .
ثمّ تقارن الآية حياة العالم الآخر بهذه الدنيا ،فتقول: ( وللدار الآخرة خير للذي يتقون أفلا تعقلون ) .
فتلك حياة خالدة لا تفنى في عالم أوسع وعالم أرفع ،عالم يتعامل مع الحقيقة لا المجاز ومع الواقع لا الخيال ،عالم لا يشوب نعمه الألم والعذاب ،عالم كلّه نعمة خالصة لا ألم فيه ولا عذاب .
ولكن إدراك هذه الحقائق وتمييزها عن مغريات الدنيا الخداعة غير ممكن لغير المفكرين الذين يعقلون ،لذلك اتجهت الآية إليهم بالخطاب في النهاية .
في حديث رواه هشام بن الحكم عن الامام موسى بن جعفر( عليه السلام ) قال: «يا هشام إنّ اللّه وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال: ( وما الحياة الدّنيا إلاّ لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذي يتقون أفلا تعقلون ){[1171]}غني عن القول أنّ هدف هذه الآيات هو محاربة الانشداد بمظاهر عالم المادة ونسيان الغاية النهائية ،أمّا الذين جعلوا الدنيا وسيلة للسعادة فهم يبحثونفي الحقيقةعن الآخرة ،لا الدنيا .