الحياة الدنيا لعب ولهو
{وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ} إنها حقيقة الحياة العارية ،بعيداً عن كل الزخارف التي تلونها ،إذ ماذا يوجد خلف الصراعات والخلافات والشهوات والأطماع والحركات الخاصة والعامة ،إذا جرد الإنسان نفسه من الأهداف التي تربطه بالدار الآخرة ؟ماذا يبقى منها ؟لا شيء سوى اللهو الذي يشغلكم ويملأ فراغ أنفسكم وأوقاتكم ،ثم لا يبقى منه شيء بعد انقضاء الوقت والاستسلام للنوم ،ولا شيء بعد ذلك ،سوى اللعب الذي يمارس فيه الإنسان بعضاً من الحركات والأوضاع المثيرة المعجبة التي تحرّك الأعضاء والأفكار والمشاعر ،ثم ينتهي كل شيء عندما تهدأ الساحة وينتهي اللاعبون .
إن الشيء الذي يجعل لحركة الإنسان معنى ،إنما هو السعي باتجاه الهدف الذي يحكم حياته ويربط مصيره ..أمّا إذا فرّغها من ذلك كله كما يفعل الماديون ولم يلتق فيها بالله ولم يستهدف الدار الآخرةكغايةٍفإنه لا يزيد عن أن يكون لاهياً لاعباً ..في ما يعنيه اللهو واللعب من البعد عن ربط العمل بقضية المصير .
{وَلَلدَّارُ الآخرةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فهي لا تمثل مكاناً يقضي فيه الإنسان عمره ،ويستريح فيه من عناء التعب ،بل تمثل القيمة الروحية التي تجعله يعيش السعادة المطلقة في رحاب الله .وبذلك كانت الآخرة خطاً للعمل في حركة المتّقين في الحياة الدنيا ،يتحركونمن خلالهإلى الله في كل أقوالهم وأفعالهم ،فهو الهدف الذي يحكم كل توجهاتهم وتطلعاتهم ،وهو النور الذي يشرق في قلوبهم ،فيبعث الإشراق في حياتهم ،فإذا فكروا في مواقفهم ،فكروا في انسجامها مع محبّة الله ،وإذا فكروا في الجنة رأوا فيها المظهر لرضئ الله ،وإذا فكروا في النار رأوا فيها المظهر لسخط الله .وهكذا يلتقي الخط بالهدف ،وترتبط التقوى بالدار الآخرة .وهكذا نفهم العمل الآخروي شيئاً يرتبط بالهدف الكبير للمؤمن ،وهو الله ،وعلى ضوء هذا كانت الصلاة التي يأتي بها المصلي رياءً عملاً دنيوياً ،وكان العمل من أجل العيال عملاً أخرويّاًتبعاً لابتعاد الأول عن الارتباط بالله وارتباط الآخر به .
إن الدار الآخرة حين يعيشها الإنسان في الدنيا من خلال غايات العمل ،{خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} لأنها تعطي لحياتهم معنًى وامتداداً في ما يحملونه من وعيٍ روحي عميق ،وهي خير لهم عندما يتركون هذه الدنيا وينالون جزاء تقواهم ،جنّةً عرضها السماء والأرض ،ورضواناً من الله أكبر حيث السعادة المطلقة التي لا حدّ لها وخلوداً في النعيم الروحي والجسدي أمام الله .
إن الله يخاطب عقول الناس ،لتتحرك في عملية موازنةٍ ومقارنةٍ بين الدنيا والآخرة ،لتنطلق عملية الاختيار من موقع التفكير ،لا من موقع التقليد والمحاكاة ،بوصفهأي التفكيرالأساس الذي ترتكز عليه قاعدة المعرفة الإيمانية ،التي يريد القرآن أن يبنيها في الإنسان .