قوله:{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه} في سبب نزول هذه الآية أخرج مسلم عم المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد قال: نزلت هذه الآية فينا ستة .في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال .قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نرضى أن نكون أتباعا لهؤلاء فاطردهم ،فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل .فأنزل الله تعالى هذه الآية{[1171]} .
وروى ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب بن الأرث وصهيب وبلال وعمار ،قالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء ؟أتريد أن نكون تبعا لهؤلاء ؟فأنزل الله تعالى:{ولا تطرد الذين يدعون ربهم}{[1172]} وجملة القول أن هذه الآية في سبب جماعة من ضعفة المسلمين ،قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو طردت هؤلاء عنك لغشيناك وحضرنا مجلسك .
قوله:{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدة والعشي يريدون وجهه} المراد بالدعاء هنا ،الذكر أي أنهم يذكرون الله طرفي النهار .
وقيل: المراد صلاة الصبح وصلاة العصر ،إذ يؤدونهما بالغداة والعشي .
وقيل: المراد به ،الصلوات المكتوبة الخمس .لأن ذكره للغداة والعشي ينبه على أنهم مواظبون على الصلوات الخمس .
أما الغداة ،فهي أول النهار .أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس{[1173]} والعشي ،ما بين زوال الشمس وغروبها ،وصلاتا العشي هما الظهر والعصر{[1174]} .
قوله:{يريدون وجهه} في موضع نصب على الحال من ضمير{يدعون} والمراد بوجه الله ،ذاته الكريمة .ومعنى إرادة الذات الإخلاص لها .أي أن هؤلاء المؤمنين المتقين يدعون ربهم مخلصين له سبحانه .فهم يخلصون في عبادتهم وأعمالهم لله ويتوجهون بذلك كله إليه وحده دون أحد غيره .
قوله:{ما عليك من حسبهم من شيء وما حسبك عليهم من شيء} من ،الأولى للتبعيض .ومن ،الثانية زائدة للتوكيد .وشيء في موضع رفع ،لأنه اسم{ما}{[1175]} وهذا الكلام معترض بين النهي عن الطرد وجوابه .والمعنى ،أنه ليس عليك من حسابهم ،أي جزائهم ورزقهم من شيء إنما جزاؤهم ورزقهم على الله .وكذلك ليس عليهم من حسابك ،أي من جزائك ورزقك من شيء .إنما جزاؤك ورزقك على الله وليس على أحد غيره .وإذا كان الأمر كذلك فجالس هؤلاء المتقين الفقراء وحادثهم ولا تطردهم مراعاة للظالمين المعتسفين .
قوله:{فتطردهم فتكون من الظلمين} فتطردهم منصوب بالفاء في جواب النفي .فتكون .منصوب بالفاء في جواب النهي .والتقدير: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه فتكون من الظالمين وما عليك من حسابهم من شيء فتطردهم{[1176]} .