وقوله:( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) أي:لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفة عنك ، بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك ، كما قال:( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) [ الكهف:28] .
وقوله ( يدعون ربهم ) أي:يعبدونه ويسألونه ( بالغداة والعشي ) قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وقتادة:المراد بذلك الصلوات المكتوبات .
وهذا كقوله [ تعالى] ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) [ غافر:60] أي:أتقبل منكم .
وقوله:( يريدون وجهه ) أي:يبتغون بذلك العمل وجه الله الكريم ، فهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات .
وقوله:( ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء ) كما قال نوح ، - عليه السلام - ، في جواب الذين قالوا:( أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ) [ قال] ( وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون ) [ الشعراء:112 ، 113] ، أي:إنما حسابهم على الله ، عز وجل ، وليس علي من حسابهم من شيء ، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء .
وقوله:( فتطردهم فتكون من الظالمين ) أي:إن فعلت هذا والحالة هذه .
قال الإمام أحمد:حدثنا أسباط - هو ابن محمد - حدثنا أشعث ، عن كردوس ، عن ابن مسعود قال:مر الملأ من قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعنده:خباب وصهيب وبلال وعمار . فقالوا:يا محمد ، أرضيت بهؤلاء؟ فنزل فيهم القرآن:( وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ) إلى قوله:( أليس الله بأعلم بالشاكرين )
ورواه ابن جرير ، من طريق أشعث ، عن كردوس ، عن ابن مسعود قال:مر الملأ من قريش برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعنده:صهيب وبلال وعمار وخباب ، وغيرهم من ضعفاء المسلمين ، فقالوا:يا محمد ، أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا؟ ونحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك ، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك ، فنزلت هذه الآية:( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ) إلى آخر الآية
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي ، عن أبي سعيد الأزدي - وكان قارئ الأزد - عن أبي الكنود ، عن خباب في قول الله ، عز وجل:( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قال:جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري ، فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - حقروهم ، فأتوه فخلوا به ، وقالوا:إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت . قال:"نعم ". قالوا:فاكتب لنا عليك كتابا ، قال:فدعا بالصحيفة ودعا عليا ليكتب ، ونحن قعود في ناحية ، فنزل جبريل فقال:( ولا تطرد الذين يدعون ربهم [ بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين] ) فرمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصحيفة ، ثم دعانا فأتيناه .
ورواه ابن جرير ، من حديث أسباط ، به .
وهذا حديث غريب ، فإن هذه الآية مكية والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر .
وقال سفيان الثوري ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه قال:قال سعد:نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، منهم ابن مسعود ، قال:كنا نسبق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وندنو منه ونسمع منه ، فقالت قريش:يدني هؤلاء دوننا ، فنزلت:( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي )
رواه الحاكم في مستدركه من طريق سفيان ، وقال:على شرط الشيخين . وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق المقدام بن شريح ، به