قوله:{وكذلك فتنا بعضهم ببعض} الفتنة ،الاختبار والابتلاء .وفتنة الله خلقه بعضهم ببعض تتحقق فيما جعله بينهم من التفاوت في الأرزاق والأخلاق والطبائع .فجعل بعضهم غنيا وبعضهم فقيرا .وجعل بعضهم قويا وبعضهم ضعيفا .وهذا يفضي إلى حاجة بعضهم لبعض اختبارا من الله لهم .قال ابن عباس في تأويل ذلك: يعني أنه جعل بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء .فقال الأغنياء للفقراء:{أهؤلاء من الله عليهم من بيننا} وذلك على سبيل السخرية والاستهزاء بهم .
قوله:{ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا} اللام لام التعليل .والاستفهام للإنكار .والمقصود بهؤلاء: الضعفاء والفقراء .أي أن المشركين المستكبرين وهم الأغنياء والساسة يقولون في جحود وإنكار وسخرية: أهؤلاء الذين أكرمهم الله بالهداية وإصابة الحق وهم فقراء ضعفاء أذلة من بيننا ونحن أغنياء أقوياء .وقد قالوا هذه المقالة على سبيل الاستهزاء بالمؤمنين الضعفاء ومعاداة الإسلام .
قوله:{أليس الله بأعلم بالشاكرين} الاستفهام للتقرير بعلمه .وهذا جواب من الله ورد منه لمقالة المشركين المستنكرين الساخرين من المؤمنين لفقرهم وضعفهم .فبين سبحانه أنه عليم بالصالحين من العباد ،إذ يمن عليهم بالإيمان والهداية دون الرؤساء والعظماء الذين لا يستحقون فضلا ولا تكريما .
ذلك هو القسطاس المستقيم الذي لا يميل ولا يحابي ،والذي يزن به الإسلام مقادير الناس واعتباراتهم .وإنما الاعتبار الحقيقي الأكبر للعقيدة السليمة المستقيمة والتزام شرع الله قولا وعملا ،بغض النظر عن بقية الاعتبارات الأخرى وهي كثيرة ومختلفة .كاعتبار المال والحسب واللون والأصل .لا جرم أن هذه اعتبارات في مقابل العقيدة ،تمضي من غير وزن ولا حساب في تصور الإسلام .إنما التقدير والتكريم لأولي الإيمان الصالح ،والعمل الصالح ،من عباد الله الأتقياء الأبرار .
وهذه حقيقة لا يزيغ عنها إلا معاند مستكبر يؤثر الدنيا بغرورها وزخرفها الفارغ المنفوش على الآخرة بخيرها وفضلها ونعيمها الباقي .