قوله تعالى:{وَكَذالِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} .
أجرى الله تعالى الحكمة بأن أكثر أتباع الرسل ضعفاء الناس ،ولذلك «لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن نبينا صلى الله عليه وسلم: أأشرف الناس يتبعونه ،أم ضعفاؤهم ؟فقال: بل ضعفاؤهم .قال: هم أتباع الرسل » .
فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه تعالى أشار إلى أن من حكمة ذلك فتنة بعض الناس ببعض ،فإن أهل المكانة والشرف والجاه يقولون: لو كان في هذا الدين خير لما سبقنا إليه هؤلاء ،لأنا أحق منهم بكل خير كما قال هنا:{وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ} الآية إنكاراً منهم أن يمن الله على هؤلاء الضعفاء دونهم ،زعماً منهم أنهم أحق بالخير منهم ،وقد رد الله قولهم هنا بقوله:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} .
وقد أوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ} [ الأحقاف: 11] الآية ،وقوله:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بِيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَي الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} [ مريم: 73] .
والمعنى: أنهم لما رأوا أنفسهم أحسن منازل ،ومتاعاً من ضعفاء المسلمين اعتقدوا أنهم أولى منهم بكل خير ،وأن أبتاع الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان خيراً ما سبقوهم إليه ،ورد الله افتراءهم هذا بقوله:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً} [ مريم: 74] ،وقوله:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِين َنُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} [ المؤمنون: 55 – 56] ،إلى غير ذلك من الآيات .