ثم تتتابع الآيات لتحدثنا عن وجود شيء من هذا القبيل في نظرة المستكبرين إلى المؤمنين المستضعفين ،حيث يتطلّعون إليهم من فوق ليتساءلوا بازدراءٍ وتهكّم:{وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} في عملية اختبار وامتحان لإظهار ما في أعماقهم من مشاعر الكبرياء وأفكار الشرّ في النظرة السلبية للمستضعفين المؤمنين ،{لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ} ماذا يمثّلون من قيمةٍ ومنزلةٍ وجاهٍ ليكونوا موضع اختيار الله ورعايته لهم ..فكأنّهم يفرضون على الله طريقتهم في التقييم ،وأُسلوبهم في تقدير الأشياء ،لأنهم لا يفهمون للقضايا مقياساً غير ما يحملونه من مقاييس ،فلا يمكن للفقير أو للضعيف أن يحصل على أيّة امتيازات إلهيّة إلا من خلال ما يمنحهم البشر من امتيازات .
ولكنَّ الله ينكر عليهم ذلك ليتساءل:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} فلِلّه مقاييسه الدقيقة للأشياء ،التي لا تدخل في حسابات الحجم الجسدي أو المادي أو المعنوي ،في ما تعنيه معنويات الدنيا ..وتلك هي موازين الطاعة لله في ما أمر به أو نهى عنه ،والشكر له في ما أنعم وأعطى ..فمن أخذ بها كان قريباً إليه وإن ابتعدت به الدنيا عن زخارفها وأمورها ،ومن أعرض عنها كان بعيداً عنه ،وإن أحاطت به الشهوات والأطماع من كل جانب ومكان ..وليس هناك من يعرف الناس ،كما يعرفهم الله ،فهو الذي خلقهم وأحاط بسرّهم وعلانيتهم ،وهو الذي يعرف من يشكر النعمة فيستحق المغفرة والرضوان ،ومن يكفر بالنعمة فيستحق العقاب والخذلان .فكيف تتدخَّلون في الحكم على ما لم تحيطوا بعلمه ،لتميّزوا بين من ينبغي لله أن يمنَّ عليه وبين من لا ينبغي له أن يمنحه المنّ والرحمة ...لتنكروا هنا ،ولتستجيبوا هناك ؟!ويتركهم الله في ضلالتهم ،ويلتفت إلى نبيّه ،فيوحي إليه بالعمل على تكريمهم وإحاطتهم بكل ألوان الرعاية والمحبة والرحمة .