قوله تعالى:{وإذا رأيت الذين يخوضون في ءايتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسيك الشيطن فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظلمين} يخوضون ،من الخوض وهو التخليط في المفاوضة على سبيل العبث واللعب{[1194]} والمراد هنا من الخوض: الشروع في آيات الله بالتكذيب والاستهزاء والطعن .
والمعنى أن الله يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وكل أحد من المسلمين ،إذا رأى المشركين الضالين يخوضون في آيات القرآن أو في تعاليم الإسلام بالتضليل والافتراء والباطل والطعن فعليه أن يعرض عنهم .وذلك بالقيام من مجلسهم والتخلي عن القعود معهم البتة حتى يأخذوا في حديث آخر غير الاستهزاء بكتاب الله الحكيم أو دينه القويم .وأيما عود مع هؤلاء الضالين المستهزئين بالإسلام لا جرم أن يكون مخالفا لأمر الله وفيه من الذنب ما يجعل القاعدين شركاء في الخطيئة .
وهذه حال المشركين الظالمين في كل زمان ،فإنهم لفرط كراهيتهم وتغيظهم يلجأون في وقاحة فاجرة لئيمة للطعن في شيء من تعاليم الإسلام لما يجدونه في ذلك من إشفاء لغليلهم الأسود المقبوح .فلا يجترئ على الطعن في شيء من تعاليم الإسلام أو معنى من معانيه أو آية من آيات الكتاب الحكيم إلا كافر لئيم أو مرتد أثيم .فلا مساغ بذلك لمسلم أن يجالس أمثال هؤلاء العصاة الفاسقين بل يعرض عنهم إعراضا يجدون فيه التحقير لهم والازدراء .
قوله:{وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} إما ،إن شرطية ،وما مزيدة .والمخاطب في الآية الرسول صلى الله عليه وسلم ،والمراد أمته .والمعنى إذا أنساك الشيطان أيها المسلم فقعدت مع المشركين المستهزئين فقم إذا ذكرت{[1195]} .