/م68
التّفسير
اجتناب مجالس أهل الباطل:
بما أنّ المواضيع التي تتطرق إِليها هذه السورة تتناول حال المشركين وعبدة الأصنام ،فهاتان الآيتان تبحثان موضوع آخر من المواضيع التي تتعلق بهم ،ففي البداية تقول للرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( وإِذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ){[1205]} .
على الرغم من أنّ الكلام هنا موجه إِلى رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،إِلاّ أنّه لا يقتصر عليه وحده ،بل هو موجه إِلى المسلمين كافة ،إِنّ فلسفة هذا الحكم واضحة ،إِذ لو اشترك المسلمون في مجالسهم ،لاستمر المشركون في خوضهم في آيات الله بالباطل نكاية بالمسلمين واستهزاء بكلام الله ولكنّ المسلمين إِذا مروا دون أن يبالوا بهم ،فسيكفّون عن ذلك ويغيرون الحديث إِلى أُمور أُخرى ،لأنّهم كانوا يتقصدون إِيذاء رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمسلمين .
ثمّ تخاطب الآية رسول الله مؤكّدة أهمية الموضوع: ( وإمّا ينسينّك الشيطان فلا تقعد{[1206]} بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) أي إِذا أنساك الشيطان هذا الأمر وجلست مع هؤلاء القوم سهواً ،فعليكحالما تنتبهأن تنهض فوراً وتترك مجالسة الظالمين .
سؤالان:
هنا يبرز سؤالان:
الأوّل: هل يمكن للشّيطان أن يتسلط على النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويسبب له النسيان ؟وبعبارة أُخرى ،كيف يمكن للنّبي مع عصمته وكونه مصوناً عن الخطأ حتى في الموضوعات أن يخطىء وأن ينسى ؟
في الإِجابة على هذا السؤال يمكن القول بأنّ الخطاب في الآية وإن يكن موجهاً إِلى النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهو يتحدث في الواقع مع اتباعه الذين يمكن أن ينسوا فيساهموا في اجتماعات المشركين الآثمة ،فهؤلاء عليهم حال انتباههم إِلى ذلك أن يتركوا المكان ،أنّ مثل هذا الأسلوب كثير الحدوث في حياتنا اليومية وموجود في مختلف آداب العالم ،فأنت قد توجه الخطاب إِلى أحدهم ولكنّ هدفك هو أن يسمع الآخرون ذلك كما يقول المثل: إِياكِ أعني واسمعي يا جارة .
هناك مفسّرون آخرون مثل الطبرسي في مجمع البيان وأبي الفتوح في تفسيره المعروف يوردون جواباً آخر عن هذا السؤال خلاصته: إنّ السهو والنسيان في قضايا الأحكام ومقام حمل الرسالة من جانب الله غير جائزين بالنسبة للأنبياء ،أمّا في الحالات التي لا تؤدي إِلى ضلال الناس فجائزان ،إِلاّ أنّ هذا الجواب لا يتفق مع ما هو مشهور عند متكلمينا من أن الأنبياء والأئمّة معصومون عن الخطأ ومصونون عن النسيان ،لا في قضايا الأحكام وحدها ،بل حتى في القضايا العادية أيضاً .
السؤال الثّاني: يعتبر بعض علماء أهل السنة هذه الآية دليلا على عدم جواز التقية الدينية للقادة الدينيين ،وذلك لأنّ الآية تصرّح بالنهي عن اللجوء إِلى التقية أمام الأعداء وتأمر بترك مجلسهم .
والجواب على هذا الاعتراض واضح ،فالشيعة لا يقولون بوجوب التقية دائماً ،بل إِنّ التقية في بعض الأحيان حرام ،إِنّما ينحصر وجوبها في الظروف التي تكون فيها للتقية وكتمان الحق منافع أكبر من منافع إِظهاره ،أو تكون سبباً في دفع خطر أو ضرر كبير .