قوله:{قال أغير الله أبغيكم غلها وهو فضلكم على العالمين} الاستفهام للإنكار والتوبيخ .وغير ،مفعول به الفعل الذي بعده .وإلها ،منصوب على التمييز أو الحال .والجملة{وهو فضلكم على العالمين} في موضع نصب على الحال ؛أي كيف أطلب لكم إلها تعبدونه غير الله ؟!ولله وحده المستحق للعبادة وهو الذي هداكم لما فيه صلاحكم وخيركم ونجاتكم في الدنيا والآخرة .وفوق ذلك{فضلكم على العالمين} والتفضيل يحتمل وجهين .أولهما: أنه فضلكم على سائر الناس من أهل زمانهم بما أنعم به عليهم من إهلاك عدوهم وتنجيتهم هم ،واستخلافهم من بعد فرعون وقومه الظالمين ،وإنقاذهم مما حل بهم من الذل والهوان .
ثانيهما: أنه خصهم بفضائل من النعم بالآيات والمعجزات الكثيرة مثل: انبجاس الماس من الصخر الصلد ،وانفلاق البحر ،وتمهيد السيل فيه لسيرهم ومضيهم فيه ،وبعض النبيين الكثيرين فيهم أكثر مما بعض في الأمم السابقة .إلى غير ذلك من أنعم الله كالمن والسلوى وتظليل الغمام .وهو ما بيناه في تفسير سورة البقرة .فما ينبغي لأحد بعد هذا البيان الواضح للمراد من التفضيل على العالمين أن يصطنع من الكلام والتأويل ما يأباه المنطق السليم وتنفيه حقيقة المراد من الآية الكريمة ومما لم ينزل اله به من حجة ولا برهان .
ليس لمتحذلق{[1513]} فارغ جاهل بعد ذلك أن ينتزع من مفهوم هذه الآية ما لا تحمله ليهذي بان بني إسرائيل جنس من البشر المميز الذي فضله الله لذاته وجنسه على سائر البشر!!ليس هذا الكلام إلا ضربا من الزيف والهراء الذي تجتره حناجر فريق من البشر المتعصب الجهول .
والحقيقة الصحيحة المعتبرة هنا أن نبي إسرائيل قد امتن الله عليهم بمنن وعطايا دنيوية كثيرة فاقت ما أعطته أمة من الأمم في هذه الدنيا لتكون لله الحجة عليهم في ذلك .وهذا هو المراد بالتفضيل .أما بعد ذلك من تفضيل معتبر يتميز فيه الصالحون من غيرهم فهو منوط بالصلاح والتقوى والمضي في طريق الله والتزام شرعه القويم ومنهجه المستقيم من غير شطط ولا زيغ ولا تزييف ولا تغيير ولا تبديل لما أنزله الله من الآيات والبينات .والمفضلون عند الله هم الذين استقاموا على دينه ورسالته الحقة للناس فلم يبدلوها تبديلا ،ولم يزيفوها تزييفا ،ولم ينتقصوا من آياتها أو يتزيدوا عليها ما ليس منها ؛فكانوا بذلك هداة صادقين أوفياء للبشرية يحملون لها رسالة المحبة والأمن والخير والنجاة في هذه الدنيا ويوم تقوم الساعة .لا جرم أن هذه المزايا والخصائص والمعاني إنما تتجلى في أمة الإسلام .أمة رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم .