قوله تعالى:{وسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ يأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأل جبريل اليهود عن أخبار أسلافهم وعما حصل لهم من مسخ بعضهم قردة وخنازير .وهو سؤال تقدير وتوبيخ .لا جرم أن هذه دلالة من الدلالات على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ،وذلك بإطلاعه على الغيب من أخبار السالفين .والنبي عليه الصلاة والسلام لم يتعلم أخبار السالفين من أحد ،فضلا عن كونه أميا لا يقرأ ولا يكتب .
قوله:{وسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} أي اسأل جيرانك اليهود عن أهل القرية .وذلك على تقدير محذوف وهو ( أهل ) كقوله:{وسئل القرية التي كنا فيها ) والمراد أهلها .وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ) يعني اهتز أهل العرش من الملائكة فرحا واستبشارا بقدومه رضي الله عنه إليهم .أما القرية التي كانت حاضرة البحر: فهي أيلة ،كانت بين مدين والطور .وقيل: هي مدين وبيت أيلة والطور .وقيل يغر ذلك .و{حاضرة البحر} أي بقربه .
وقوله:{إذ يعدون في السبت}؛إذ ،للظرفية الزمانية ؛أي وقت عدوهم في السبت{[1552]} و{يعدون} بمعنى يعتدون أمر الله في السبت و يتجاوزونه إلى ما حرمه الله عليهم ،والاعتداء معناه التجاوز ،والتعدي معناه مجاوزة الشيء إلى غيره{[1553]} .أما{السبت} فهو مفرد وجمعه سبوت وأسبت .وسبت اليهود ؛أي انقطاعهم عن المعيشة والاكتساب .وهو مصدر .يقال: سبتوا سبتا .وسبت سبتا أي نام واستراح وسكن .واستبت الحية: أطرقت لا تتحرك .وسبت الشيء –بالتشديد- أي قطعه{[1554]} .
قوله:{إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} إذ بدل من ( إذ ) الأولى .وشرعا منصوب على الحال من حيتانهم{[1555]} .وتأتيهم حيتانهم شرعا ؛أي شارعة ظاهرة على الماء من كل مكان وناحية في يوم السبت وذلك لإحساس الحيتان أنها لا تصاد في هذا اليوم ؛فكانت بذلك تظهر بكثرة رافعة رؤوسها لكنهم يوم لا يدخلون في السبت ولا ينقطعون عن العمل في سائر الأيام الأخرى لا يأتيهم حيتانهم .
قوله:{كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ؛أي مثل ذلك البلاء العظيم نبلوهم بسبب فسقهم ،وهو خروجهم عن طاعة الله .
والابتلاء معناه الامتحان والاختبار ؛فقد امتحن الله بني إسرائيل امتحانا لم يفلحوا فيه بل هووا وسقطوا في الامتحان تحت وطأة شهواتهم التي غلبت على طبائعهم وقلوبهم ،وطغت عليهم طغيانا ،كشأنهم في كل الأحوال والظروف والأزمان .امتحنهم الله بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في يوم السبت وإخفائه عنهم في الأيام الأخرى التي أحل الله لهم فيها صيدها .
وقيل في قصص هذه الآية: إن إبليس أوحي إليهم إنما نهيتم عن أخذ الحيتان يوم السبت فاتخذوا لها الحياض .فكانوا يسوقون الحيتان إلى الحياض يوم الجمعة فتبقي فيها فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء فيأخذونها يوم الأحد .وذلك ضرب من التمويه والخداع الذي يحتال به المريبون في خيانة مكشوفة وتلصص مفضوح على تعاليم الله الواضحة ؛هربا من التلبس بالحق والاستقامة .وطمعا في مكسب خسيس رخيص{[1556]} .