{وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت وإذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون( 163 )}
المفردات:
القرية: مدينة أيلة .
حاضرة البحر: قريبة منه .
يعدون في السبت: يتجاوزون حدود الله بالصيد يوم السبت .
حيتانهم: المراد بها: أنواع السمك المختلفة .
شرعا: جمع شارع أي: ظاهرة على وجه الماء ،من شرع عليها إذا دنا وأشرف .
التفسير:
{163 - وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ....} الآية .
لا يزال الحديث مستمرا عن سيئات اليهود وآثامهم ،فقد أخبر القرآن عنها ،وهو منزل على نبي أمي ،لم يقرأ التوراة ولا كتب اليهود ،وليس في التوراة ذكر لهذه الحادثة ،لكنها كانت معروفة متداولة بين اليهود .فذكّرهم القرآن بما حدث لأهل قرية أيلة ،وهي قرية بين مدين والطور على خليج العقبة ،وقد أحيا اليهود اسمها فسموا مدينتهم على خليج العقبة أيلات .
ملاحظة: كانت أوار الله لليهود بتعظيم يوم الجمعة ،فاختاروا يوم السبت ،فألزمهم الله باحترامه وعدم العمل فيه .
جاء في تفسير الفخر الرازي:
قال ابن عباس:"اليهود أمروا باليوم الذي أمرتم به ،وهو يوم الجمعة ،فتركوه واختاروا السبت ؛فابتلاهم الله تعالى به ،وحرّم عليهم الصيد فيه وأمرهم بتعظميه ،فإذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر ،إذا انقضى السبت ذهبت وما تعود إلا في السبت المقبل ،وذلك بلاء ابتلاهم الله به ،فذلك معنى قوله تعالى:{ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} .اه ."
ويفيد سياق الآية أن الله تعالى أمر اليهود بالتفرغ للراحة والعبادة يوم السبت وحرم عليهم الاشتغال بغير ذلك ،وكانت إحدى القرى على شاطئ البحر ،ترى السمك في يوم السبت يتهادى على الشاطئ آمنا ،حيث أدرك بغريزته هدوء حركة الصيد ،وكان الله تعالى يبعث الحيتان على الظهور على وجه الماء ؛لتكون كثيرة أمامهم ،فيختبر مدى التزامهم .
{كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} .
أي: مثل هذا البلاء بظهور السمك نبتليهم ونعاملهم معاملة المختبر لحال من يراد إظهار حاله ليرتب الجزاء على عمله ،بسبب فسقهم المستمر على أمر ربهم واعتدائهم على حدود شرعه .
قال الشوكاني في فتح القدير:
ابتلاهم الله تعالى بسبب ظهور الفسق فيهم ،بأن تأتيهم الأسماك يوم السبت ظاهرة على وجه البحر قريبة من المأخذ يسهل صيدها ،وفي سائر الأيام لا تأتي ولا يقدرون عليها ،وفي ذلك امتحان لمدى قدرتهم على الصبر عن محارم الله .
وقال الإمام القرطبي:
"وروى في قصص هذه الآية: أنها كانت في زمن داود عليه السلام ،وأن إبليس أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت ،فتخذوا الحياض ،فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت فتبقى فيها فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء ،فيأخذونها يوم الأحد ". ا . ه .
وفي الآية تقريع لليهود ،وتذكير بعقاب الله لمن خالف أمره ،وتذكير للأمة الإسلامية بألا تتحايل على أمر الله ،وتستحل محارمه بحيلة ما .