قوله:{إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين} ذلك توبيخ بالغ للمشركين الضالين السفهاء الذين يعبدون من دون الله آلهة صماء كالأصنام التي لا تسعى ولا تبطش ولا تبصر ولا تسمع .فهم أمثالكم في أنهم عباد مخلوقون مملوكون للخالق .بل إنكم أنتم أفضل منهم في كونكم تنطقون وتسمعون وتعقلون .فأنى لمثل هؤلاء الأشباح الجوامد أن يكونوا معبودين لكم ؟!
إن لكم السفه بالغ ،والحماقة المسفة المغالية التي تنحدر بالتعساء السخفاء إلى سحيق العمه والخبل!!كيف بكم وأنتم السامعون المبصرون الناطقون الواعون أن تذعنوا بالخضوع والعبادة لهؤلاء المخاليق وهم ليسوا إلا تماثيل مصفوفة لا تعي ولا تتحرك ؛إذ ليس لهم أرجل يمشون بها ،ولا أيد يبطشون بها ،ولا أعين يبصرون ،بها ولا آذان يسمعون بها ،فكيف يليق بكم وأنتم الواعون المبصرون العقلاء أن تدنوا لهم بالاستكانة والتذلل .وذلك تأويل قوله:{ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أن لهم آذان يسمعون بها} .
قوله:{قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون} كيدون ،من الكيد ،وهو المكر والخبث{[1603]} .أمر الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يتحدى المشركين بدعوة شركائهم الأصنام ليكيدوا له جميعا بما شاءوا من وجوه الكيد وهو الخبث والخداع{فلا تنظرون} أي لا تمهلون في الكيد لي ،ولا تؤخروا عني إنزال الضرر بي بسبب أصنامكم وشركائكم .وذلك أقصى درجات التحدي لهم والتعجيز لأصنامهم بما يكشف في وضوح عن فساد تصورهم وبطلان ما يعتقدون .وإن يعتقدون إلا الضلال والباطل والسفه{[1604]} .