/م194
{ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} الدعاء مخ العبادة وركنها الأعظم فلا يصح توحيد أحد لله إلا بدعائه وحده وعدم دعاء أحد معه كما قال:{ فلا تدعوا مع الله أحدا} [ الجن:18] والمفسرون يقولون إن الدعاء في مثل هذه الآيات معناه العبادة من باب تسمية الكل باسم الجزء فصاروا يفسرون"تدعون "بتعبدون فضلَّ بعض العوام من القارئين وغيرهم في هذا التعبير وظنوا أن المرء لا يكون عابدا لغير الله تعالى إلا إذا كان يصلي له الصلاة المعروفة ويصوم لأجله ، وأنه لا ينافي توحيد الله تعالى أن يدعى غيره معه أو يدعى من دونه بقصد التوسل إليه والاستشفاع لديه ، إذا كان لا يصلي ولا يصوم له .وقال بعضهم:إن الدعاء هنا بمعنى التسمية فيكون الإنكار فيه خاصا بتسميتهم لأصنامهم وغيرهم من معبوداتهم آلهة .وكل من هذا وذاك ضرب من ضروب الاحتمالات اللفظية التي يتعلق بها من أشرك بالله جاهلا بمعنى الشرك ممن يدعون الموتى من الصالحين لدفع الضر عنهم أو جلب الخير لهم ، من غير طريق الأسباب التي هي من تناول كسبهم وسعيهم ، ولكنهم لا يسمونهم آلهة .وهذا هو الشرك الأكبر الذي نعي على المشركين من قبلهم لا مجرد التسمية التي لا تكون بدونه صحيحة .
والحق الذي لا معدل عنه أن الدعاء هنا هو النداء لدفع الضر أو جلب النفع الموجه إلى من يعتقد الداعي أن له سلطانا يمكنه به أن يجيبه إلى ما طلبه بذاته أو بحمله للرب الخالق على ذلك بحيث يجيب دعاء الداعي لأجله .
يقول تعالى:إن الذين تدعونهم من دون الله هم عباد الله أمثالكم في كونهم مخلوقين لله تعالى خاضعين لسننه في خلقه ، وإذا كانوا أمثالكم امتنع عقلا أن تطلبوا منهم ما لا تستطيعون نيله بأنفسكم ولا بمساعدة أمثالكم لكم فيما يتوقف على التعاون في اتخاذ الأسباب له .وإنما يدعى لما وراء الأسباب المشتركة بين الخلق الرب الخالق المسخر للأسباب الذي تخضع لإرادته الأسباب وهو لا يخضع لها ، ولا لإرادة أحد يحمله على ما يشاؤه منها .
وهذه المماثلة إنما تظهر فيمن يدعى من دون الله تعالى من الملائكة أو الأنبياء أو الصلحاء ، دون ما اتخذ لهم تذكيرا بهم من التماثيل أو القبور أو الأصنام ، وقد صار بعض هذه المذكرات يقصد لذاته ، جهلا بما كانت اتخذت لأجله ، وفي هذه الحالة تدخل في المماثلة بطريقة تنزيلها منزلة ما وضعت لأجله ، كأنه يقول إن قصارى أمرها أن تكون من الأحياء العقلاء أمثالكم ، فكيف ترفعونها عن هذه المثلية ، إلى مقام الربوبية ؟
{ فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين} أي إن كنتم صادقين في زعمكم أنهم يقدرون على ما تقدرون عليه بقواكم البشرية من نفع أو ضر بذواتهم فادعوهم فليستجيبوا لكم بأنفسهم ، أو ليحملوا الرب تبارك وتعالى على إعطائكم ما تطلبون منهم إن كنتم صادقين في قولكم:{ هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [ يونس:18] وقولكم{ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [ الزمر:3] .
ثم بين لهم أنهم أحط رتبة منهم لا أمثالا لهم ، فقال:{ ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها} .