/م194
{ ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها} هذا تقريع موجه إلى الوجدان ، في إثر احتجاج وجه قبله إلى الجنان ، والاستفهام فيه للإنكار ، وهو خاص بالأصنام والأوثان ، ومعناه أنهم لفقدهم لجوارح الكسب ، التي يناط بها في عالم الأسباب النفع والضر ، قد هبطوا عن درجة مماثلتكم من كل وجه ، فليس لهم أرجل يسعون بها إلى دفع ضر أو جلب نفع ، وليس لهم أيد يبطشون بها فيما ترجون منهم من خير أو تخافون من شر ، وليس لهم أعين يبصرون بها حالكم ، وليس لهم آذان ، يسمعون بها أقوالكم ، ويعرفون بها مطالبكم ، فأنتم تفضلونهم في الصفات والقوى التي أودعها الله في الخلق ، فلماذا ترفعونهم عن مماثلتكم ، وهم بدليل المشاهدة والاختبار دونكم ؟ وها أنتم أولاء تستكبرون عن قبول الهدى والرشاد من الرسول وتعللون ذلك بأنه بشر مثلكم ، فيقول بعضكم لبعض{ ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون} [ المؤمنون:33 ، 34] أفتأبون قبول الحق والخير من مثلكم ، وقد فضله الله بالعلم والهدى عليكم ، وهو لا يستذلكم بادعاء أنه ربكم أو إلهكم ، ثم ترفعون ما دونه ودونكم إلى مقام الألوهية ، مع انحطاطه وتسفله عن هذه المثلية ؟
{ قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون} أي قل أيها الرسول لهؤلاء المرزوئين بعقولهم ، المحتقرين لنعم الله تعالى عليهم ، نادوا شركاءكم الذين اتخذتموهم أولياء ، وزعمتم أنهم فيكم شفعاء ، ثم تعاونوا على كيدي جميعا ، وأجمعوا مكركم الخفي لإيقاع الضر بي سريعا ، فلا تنظرون أي لا تؤخروني ساعة من نهار ، بعد إحكام المكر الكبَّار .وحكمة مطالبتهم بهذا أن العقائد والتقاليد الموروثة تتغلغل في أعماق الوجدان ، حتى يتضاءل دونها كل برهان ، ويظل صاحبها مع ظهور الدليل على بطلانها يتوهم أنها تضر وتنفع ، وتقرب من الله وتشفع ، فطالبهم بأمر عملي يستل هذا الوهم من أعماق قلوبهم ، ويمتلخ الشعور به من خبايا صدورهم ، وهو أن ينادوا هؤلاء الشركاء نداء استغاثة واستنجاد لإبطال دعوة الداعي إلى الكفر بها ، وإثباته العجز لها ، وبذل الجهد فيما ينسبون إليها من التأثير الباطن ، والتدبير الكامن ، الذي هو عندهم أمر غيبي ، يدخل في معنى الكيد الخفي .فإن كان لها شيء ما من السلطان الغيبي في أنفسها أو عند الله تعالى فهذا وقت ظهوره ، فإن لم يظهر لإبطال عبادتها وتعظيمها ، ونصر عابديها ومعظمي شأنها ، فمتى يظهر وينتفعون به ؟ وهم منكرون للبعث ، وكل ما يرجونه أو يخافونه منها فهو خاص بما يكون في هذه الأرض ؟