/م194
فتقول الآية الأُولى من هاتين الآيتين: ( إنّ الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ) .
فبناءً على ذلك لا معنى لأن يسجد الإنسان لشيء مثله ،وأن يمدّ يد الضراعة والحاجة إليه ،وأن يجعل مقدّراته ومصيره تحت يده !
وبتعبير آخر: إنّ مفهوم هذه الآية هو أنّكمأيّها المشركونلو أنعمتم النظر لرأيتم معبوداتكم ذات أجسام و أسيرة المكان والزمان ،وتحكمها قوانين الطبيعة ،وهي محدودة من حيث الحياة و العمر والإِمكانات الأُخرى .وخلاصة الأمر: ليس لها امتياز عليكم ،وإنّما جعلتم لها امتيازاً عليكم بتصوراتكم وتخيلاتكم !
ثمّ إنّ كلمة «عباد » جمع «عبد » ويطلق هذا اللفظ على الموجود الحي ،مع أن الآية استعملته في الأصنام ،فكانت لذلك تفاسير متعددة ...
التّفسير الأوّل: أنّه من المحتمل أن تشير الآية إلى المعبودين من جنس الإنسان أو المخلوقات الأُخرى ،كالمسيح إذ عبده النصارى ،والملائكة إذ عبدتها جماعة من المشركين العرب .
والتّفسير الثاني: أنّ الآية تنزلت وحكت ما توهمه المشركون في الأصنام بأنّ لها القدرة ،فكانوا يكلمونها ويتضرعون إليها ،فالآيةمحل البحثتخاطبهم بأنّه على فرض أنّ للأصنام عقلا و شعوراً ،فهي لا تعدو أن تكون عباداً أمثالكم .
التّفسير الثّالث: أنّ العبد في اللغة يطلق أحياناً على الموجود الذي يرزح تحت نيز الآخر ويخضع له ،حتى لو لم يكن له عقل وشعور ،ومن هذا القبيل أنّ العرب يطلقون على الطريق المطرّق بالذهاب والإياب أنّه «معبّد » .
ثمّ تضيف الآية: أنّكم لو تزعمون بأنّ لهم عقلا وشعوراً ( فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ) .
وهذا هو الدليل الثّاني على إبطال منطق المشركين ،وهو كون الأصنام لا تستطيع أن تعمل شيئاً ،وهي ساكتة عاجزة عن الإِجابة والردّ ...