قوله:{إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحون وله يسجدون} المرد بالذين عند ربك ،الملائكة .وهم عنده ؛لأنهم قريبون من رحمته سبحانه .وكل قريب من رحمة الله فهو عنده .وقيل: المراد من كونهم عنده ،التشريف لهم والتكريم ؛فهذا عبارة عن قربهم في الكرامة وليس في المسافة .أولئك هم الملائكة الأبرار الأطهار الذين يصلون الليل بالنهار وهم في طاعة الله وعبادته والذين تتبرأ طبيعتهم من الاستكبار أو العصيان .{ويسبحونه} أي منشغلون في تعظيمه وتنزيهه عن كل ضعف أو تقص{وله يسجدون} أي يصلون ويتذللون .وهم ماضون على حالهم هذا من دوام التذلل والتخشع والعبادة والتسبيح لا يعرفون العصية أو الملالة أو الكلال{[1614]} .
وهذا موضع سجود للقارئ عند الجمهور .والسجود للتلاوة واجب عند الحنفية ،ومندوب عند الملائكة والشافعية .أما صفة السجود: فإن القارئ يكبر إذا خفض وإذا رفع .وهو قول الشافعية والحنبلة .والمشهور من مذهب مالك أنه يكبر للسجدة في الخفض والرفع في الصلاة .أما على من يتوجه حكم السجدة ؛فقد أجمعوا على أنه يتوجه على القارئ في الصلاة أو غير الصلاة .أما السامع ؛فهو عليه أن يسجد عند أبي حنيفة ؛ومالك في رواية عنه .
على أن السجود للتلاوة يحتاج إلى الصلاة من طهارة حدث وتجس ونية استقبال قبلة .وأما من حيث الوقت: فإنه يسجد في سائر الأوقات مطلقا ؛لأنها صلاة لسبب .وهو قول الشافعي وآخرين .وقيل: لا يسجد في الأوقات المنتهي عن الصلاة فيها .وهو قول أبي حنيفة ومالك .وليس لسجدة التلاوة من سلام .وهو قول جمهور أهل العلم .وذهب آخرون إلى أنه يسلم منها{[1615]} .