ثم عزز عز وجل هذا الأمر وهذا النهي بما يعد خير أسوة للإنسان ، وهو التشبه والمشاركة لملائكة الرحمان ، فقال{ إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته} أي إن ملائكة الله المقربين الذين هم عنده كحملة عرشه والحافين به ومن شاء تقدس وتعالى بهذه العندية الشريفة التي لا يعلمها سواه ، وهم أعلى مقاما من الموكلين بالمخلوقات وتدبير نظامها كالسحاب والمطر والريح والجنة والنار- إن هؤلاء المقربين العالين عنده لا يستكبرون عن عبادته كما يستكبر عنها هؤلاء المشركون الذين عد بعضهم السجود لله تعالى حطة وضعة لا تحتمل{ ويسبحونه} أي ينزهونه عن كل ما لا يليق بعظمته وكبريائه وجلاله وجماله من اتخاذ الند والشريك والظهير والمساعد على الخلق والتدبير ، كما يفعل الذين اتخذوا من دونه شفعاء أندادا لله يحبونهم كحب الله ويعبدونهم مع الله{ وله يسجدون} أي وله وحده يصلون ويسجدون فلا يشركون معه أحدا ، فيجب أن يكون لكل مؤمن أسوة حسنة بخواص ملائكته وأقرب المقربين عنه ، تبارك اسمه وتعالى جده .
وقد شرع الله تعالى لنا السجود عند تلاوة هذه الآية أو سماعها إرغاما للمشركين ، واقتداء بالملائكة العالين ، ومثلها آيات أخرى بمعناها في الجملة ، وهذه هي الأولى في ترتيب المصحف .ونسأله تعالى أن يجعلنا من خير الذاكرين له ، الشاكرين لنعمه ، والمسبحين بحمده ، والساجدين له دون سائر خلقه وأن يوفقنا لإتمام تفسير كتابه ، إنه على كل شيء قدير .