قوله:{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} الاستفهام للإنكار ؛إذ ينكر الله تحريم ما أحله لبعاده من الزينة ،وذلك مما يتجمل به من الثياب وغير ذلك من أصناف اللباس{التي أخرج لعباده} أي خلقها الله وسخرها لعباده كيما ينتفعوا بها سواء كان ذلك من النبات أو الحيوان أو المعادن .وكذلك ينكر الله تحريم الطيبات من الرزق ؛فقد خلق الله لعباده سائر المستلذات مما تستطيبه النفس وتشتهيه .وقيل: المراد بالطيبات كل ما حل من المطعومات والمشروبات .ويستدل من هذه الآية على أن الأصل في الأشياء الإباحة ؛لأن الاستفهام في الآية لإنكار تحريم الزينة وما خلقه الله لعباده من طيبات الرزق .والرزق كل ما ينتفع به والجمع الأرزاق{[1385]} ،ويستدل منها كذلك على إباحة التجمل بالرفيع من اللباس في الجمع والأعياد وعند لقاء الناس وزيارة الأصدقاء .وقد روي مكحول عن عائشة قالت: كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم ،وفي الدار ركوة فيها ماء ،فجعل ينظر في الماء ويسوي لحيته وشعره .فقلت: يا رسول الله ،وأنت تفعل هذا ؟قال: ( نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال ) .
واخرج مسلم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة .قال: ( إن الله جميل يحب الجمال ،الكبر بطر الحق وغمط{[1386]} الناس ) .وجاء في طبقات ابن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسافر بالمشط والمرآة والدهن والسواك والكحل .وغير ذلك من الآثار كثير مما يدل على النظافة والتجمل وحسن الهيئة .
قوله:{قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا} أي أخبرهم يا محمد أن المسلمين يشاركون الكافرين في زينة الحياة الدنيا وفي طيباتها ،ثم تكون للمؤمنين يوم القيامة خالصة لهم من دون الكافرين .وقيل .عن زينة الله والطيبات من الرزق إنما خلقت للمؤمنين على طريق الأصالة زيادة في كرامتهم على الله فهم يأخذون بحظهم منها ما استطاعوا في حدود ما أحل الله لهم .أما الكافرون فغنما شاركوا المسلمين في طيبات الدنيا بالتبعية لهم .
قوله:{خالصة يوم القيامة} خالصة ،منصوب على الحال من ضمير{للذين} والتقدير: قل هي استقرت للذين آمنوا في حال خلوصها يوم القيامة .وقرئت خالصة بالرفع على أنها خبر ثان للمبتدأ ( هي ){[1387]} أي بعد أن كانت الدنيا بزينتها وطيباتها مشتركة بين المؤمنين والكافرين ؛فغنها تصير يوم القيامة خالصة للمؤمنين دون الكافرين الذين لا يستحقون حينئذ غلا النار وهوان الذل والعار .
قوله:{كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون} الكاف في{كذلك} صفة لمصدر محذوف ؛أي مثل تفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الأحكام .والمعنى: كما بين لكم الأحكام في اللباس والزينة والحلال من المطعومات والمشروبات وما حرم منها ،فغنه يبين لكم جميع أدلته وأحكامه في الحلال والحرام .وذلك كله لقوم يفقهون ما يبينه الله لهم .