قوله:{وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} دمر الله قوم لوط شر تدمير ؛إذ جعل عالي قراهم سافلها وأمطرنا فوق ذك بحجارة من سجيل{[1465]} .كذلك يأخذ الله القرى الظالم أهلها الذين يوغلون في المعاصي والموبقات حتى إذا جاء الكتاب أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر .
وبعد هذا الإخبار المخوف عما حل بقوم لوط من الهلاك أمر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالنظر والتأمل تعجبا من حال القوم الهالكين وتحذيرا للناس في كل زمان من فعل الفواحش{[1466]} .
عقوبة اللواط
عقوبة اللواط الحد .وهو يثبت بما يثبت به الحد في الزنا بين الذكر والأنثى .وهو أن تغيب الحشفة أو قدرها .وإنما يتحقق ذلك بالإقرار أو البينة بأربعة شهود عدول كما هو في الزنا .
وقد اختلف الفقهاء في عقوبة اللواط .وهم في ذلك فريقان:
الفريق الأول: هو الإمام أبو حنيفة ؛فقد ذهب إلى أن اللواط ليس فيه حد بل فيه التعزير عن كل من الفاعل والمفعول به .وروي عنه أنه يودع السجن فوق التعزير الذي يجب في حقه .واحتج لذلك من المعقول ؛إذ قال: ليس اللواط زنا ،لاختلاف الصاحبة في عقوبته .فقد قيل: عقوبة الإحراق بالنار وهو ما روي عن أبي بكر وعلي –رضي الله عنهما- .وقيل: عقوبته التنكيس من مكان مرتفع ثم إتباعه الحجارة زيادة في التنكيل .
وقال في احتجاجه أيضا: ليس اللواط في معنى الزنا ؛لأنه ليس سببا لإضاعة الولد واشتباه الأنساب كما يقع في الزنا الحقيقي .وكذلك فإن وقوعه نادر ؛لانعدام الرغبة فيه فهو بذلك إنما يجب فيه التعزيز وليس الحد{[1467]} .
الفريق الثاني: وهم جمهور المالكية والشافعية وصاحبي أبي حنيفة ؛فقد ذهب هؤلاء إلى وجوب الحد على جريمة اللواط إن كان المتوطلان عاقلين بالغين .أما إن كان أحدهما صغيرا أو مجنونا كان الحد على العاقل البالغ منهما .واحتجوا من العقول فقالوا: اللواط صورة من صور الزنا ففيه الحد .
واحتجوا من السنة بما أخرجه البيهقي عن أب موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذ أتى الرجل الرجل فهما زانيان ،وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان ) .
واختلفوا أيضا في ماهية الحد في اللواط تبعا للإحصان وعدمه ؛فقد ذهبت الشافعية في المعتمد من مذهبهم .وكذا الحنبلية في إحدى الروايتين عنهم ،وصاحبا أبي حنيفة إلى أن حد اللواط مثل حد الزنا في المرأة من غير فرق بينهما .وعلى هذا يجب فيه ( اللواط ) الجلد على البكر والرجم على المحصن .واحتجوا لذلك بالخبر ( إذ أتى الرجل الرجل فما زانيان ) .
وذهبت المالكية ،وكذا الحنبلية في الرواية الثانية عنهم وهو القول الثاني غير المشهور للشافعية –ذهبوا إلى وجوب قتل اللائط والملوط به سواء كان الواحد منهما بكرا أو محصنا ؛وذلك لما أخرجه أبو داود عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) وكذلك أخرج البيهقي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من وقع على الرجل فاقتلوه ) .
أما لو كانا غير مكلفين ،وهو أن يكونا صغيرين ؛فإنهما يؤدبان تأديبا فلا عقاب عليهما بحد أو تعزير .أما لو كان أحدهما مكلفا دون الآخر ،فإن كان المكلف هو الفاعل فقد وجب في حقه حد الرجم .أما لو كان المفعول بع مكلفا ؛والفاعل ؛غير مكلف فلا يرجم المفعول به بل يؤدب الصغير وهو غير المكلف ،ويعزر البالغ وهو المكلف{[1468]} .