/م80
{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا} أي أرسلنا عليهم مطرا عجيبا أمره وهو الحجارة التي رجموا بها قال الزمخشري في الكشاف:الفرق بين مطر وأمطر أن معنى مطرتهم السماء أصابتهم بالمطر كقولهم غاثتهم ووبلتهم وجادتهم ورهمتهم{[1200]} ويقال أمطرت عليهم كذا بمعنى أرسلته عليهم إرسال المطر اه وعن بعض أئمة اللغة أن مطر وأمطر بمعنى واحد كما في الصحاح وقال آخرون إن: "مطر "لا يستعمل إلا في الرحمة و "أمطر "لا يستعمل إلا في العذاب نقل هذا عن أبي عبيدة وتبعه الراغب والفيروزبادي في القاموس .والتحقيق أنه يقال:مطرتهم السماء وأمطرتهم وسماء ماطرة وممطرة قاله الزمخشري في حقيقة المادة من أساس البلاغة .ثم قال:ومن المجاز أمطر الله عليهم الحجارة اه فالأمطار حقيقة في المطر مجاز فيما يشبهه في الكثرة من خير وشر حسيين أو معنويين مما يجيء من السماء أو من الأرض .وما قال من قال إنه خاص بالشر إلا من تكرر الآيات في إرسال الحجارة على قوم لوط ، وقوله تعالى حكاية عن بعض كفار قريش:{ وإذ قالوا اللهم إن كان هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} ( الأنفال 32 ) وغفلوا عن قوله في سورة الأحقاف:{ فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا} ( الأحقاف 24 )
نحن نؤمن بهذه الآية كما وردت في سورة القرآن ولا نقول في حقيقتها وصفتها قولا جازما ، ولكن يجوز عقلا أن يكون سبب إمطار الحجارة على قوم لوط إرسال إعصار من الريح حملتها وألقتها عليهم ، ومثل هذا معهود وقد أخبرنا بعض أهل ساحل البحر أن السماء أمطرت عليهم مرة طينا ومرة سمكا أي مع المطر وسألوا من أين جاء ذلك ؟ فقلنا:أما التراب فأثارته السافياء من الريح فحملته إلى السحاب فنزل مع المطر طينا ، وأما السمك فهذا الإعصار الذي يرى متدليا من السحاب إلى البحر أو مرتفعا من البحر إلى السحاب كعمود من الدخان وتسمونه التنين هو الذي يرفع الماء من البحر إلى السحاب ، فاتفق أن كان فيما رفعه سمك حملته الريح إليكم لقربكم من البحر .
ويحتمل أن تكون تلك الحجارة من بعض النجوم المحطمة التي يسميها الفلكيون الحجارة النيزكية وهي بقايا كوكب محطم تجذبه الأرض إليها إذا صارت بالقرب منها وهي تحترق غالبا من سرعة الجذب وشدته وهي الشهب التي ترى في الليل فإذا سلم منها شيء من الاحتراق ووصل إلى الأرض ساخ فيها ، وكان لسقوطه صوت شديد ، وقد اهتدى الناس إلى بعض هذه الحجارة ووضعوها في المتاحف ، ولم يعهد أن تكون كثيرة ، والآيات تخالف المعهود وتخترق المعتاد وإن كانت موافقة لسنن خفية في الكون بفعل الله عز وجل .وفي سورتي هود والحجر أنها حجارة من سجيل مسومة .واختلف رواة التفسير في تفسير السجيل قال مجاهد هو بالفارسية أولها حجارة وآخرها طين ، وفي قوله: "مسومة "قال معلمة .ومثله عن شيخه ابن عباس رضي الله عنه قال:حجارة فيها طين وقال السوم بياض في حمرة وقال الراغب:والسجيل حجر وطين مختلط وأصله فيما قيل فارسي معرب اه وهذا يرجح الوجه الأول وهو كون تلك الحجارة من الأرض وقلعتها أعاصير من أرض رطبة من المطر أو غيره .وحجارة النيازك لا تكون إلا جافة بل تسقط حامية من شدة الجذب ثم تبرد ، وقال الأستاذ الإمام في تفسير سورة الفيل السجيل طين متحجر .والصواب الأول وأنه فارسي الأصل .وسنعوذ إلى هذا البحث في تفسير سورة هود إن شاء الله تعالى ، وفيها أن الله تعالى جعل عالي تلك القرى سافلها ، ونبين أن وقوع هذا وذاك بالسنن الإلهية الجلية أو الخفية لا ينافي كونها آية .
{ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} الخطاب لكل من يسمع القصة أو يقرؤها من أهل النظر والاعتبار والمراد أن يعلم أن عاقبة القوم المجرمين لا تكون إلا وبالا وعقابا فإن الأمم تعاقب على ذنوبها في الدنيا قبل الآخرة باطراد .وقد بينا من قبل أن عقابها إما أن يكون أثرا طبيعيا للذنب كالترف والسرف في الفسق يفسد أخلاق الأمة ويذهب ببأسها أو يجعله بينها شديدا بتفرق كلمتها واختلاف أحزابها وتعاديهم ، فيترتب على ذلك تسلط أمة أخرى عليها تستذلها بسلب استقلالها ، وتسخيرها في منافعها ، حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين بذهاب مقوماتها ومشخصاتها ، أو اندغامها في الأمة الغالبة أو انقراضها ، وإما أن يكون بما يحدث بسنن الله تعالى في الأرض من الجوائح الطبيعية كالزلازل والخسف وإمطار النار والمواد المصطهرة التي تقذفها البراكين من الأرض والأوبئة او الانقلابات الاجتماعية كالحروب والثورات والفتن .وهنالك نوع ثالث وهو ما كان من آيات الرسل ( ع .م ) وقد انقضى زمانه بختمهم بنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم راجع تفسير{ قل هل القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} ( الأنعام 65 ) ( ج 7 ) .
/خ84