قوله تعالى:{ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم 53 كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين} .
{ذلك} ،إشارة إلى ما حل بالظالمين جميعا من عقوبة الهلاك والتدمير ؛فقد فعل الله بهم ذلك بأنهم غيروا ما انعم الله عليهم ؛إذ ابتعث فيهم رسله يحلمون لهم البينات والدلائل فجحدوا وكذبوا وعتوا عتوا كبيرا .أو أنهم جوزوا هذا الجزاء الأليم ؛لأنهم غيروا وبدلوا نعمة الله عليهم .وأنعم الله عليهم كثيرة ،فمنهما: نعمة الأمن والخصب والسعة والعافية .فالله لم يذهب النعمة عن هؤلاء الفاسقين ،ولم يبدلها بالنقمة حتى يبدلوا هم ما بهم من حال إلى حال أسوأ .وذلك كتغير قريش حالهم من مجرد الشرك وعبادة الأصنام إلى ما هو أعتى ،كالصد عن دين الله ومعاداة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه من المؤمنين ،وإلحاق الأذى والشر بهم وتكذيب الكتاب الحكيم والاستهزاء به .
وكذلك الأمم الظالمة ،ومن ورائها الدول المغالية في الظلم والعدوان ،والموغلة في تدمير القيم والمرواءت ،والتي تعيث في الدنيا الفساد والفتن ،والتي تتجرع من دواهيها وويلاتها الشعوب الملظومة المغلوبة كل ألوان الشقاء والحرمان والاغتصاب .
إن هذه الأمم العاتية الجاحدة وفي طليعتها القيادات الضالعة في الرجس والعدوان واستعباد الشعوب وظلمهما لا بد أن تحيق بها دائرة الهون والتداعي .وأن تزلزلها الضربات الإلهية المقدورة .وعندما يأذن الله بذلك ينزل بساحتهم البلاء ويأخذهم العذاب في هذه الدنيا من حيث لا يحتسبون .فإن الله عزيز منتقم يأخذ الظالمين المتجبرين وهو لهم بالمرصاد .
قوله:{وأن الله سميع عليم} الله سميع لما يقول المبطلون الظالمون ،وما يهذون به من ضلال وإشراك وكفران .وهو كذلك عليم بما يفعله هؤلاء الأشقياء المقبوحون من تضليل البشرية وصدها عن منهج الله ،واصطناعها الأكاذيب والافتراءات والشبهات من حول هذا الدين الحق .