{يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم}{يوم} ،منصوب بمحذوف يدل عليه قوله:{بعذاب} أي يعبدون يوم يحمي عليها .أو منصوب بفعل تقديره: واذكر يوم يحمى{[1772]} .والمعنى: أن ما أكتنزه المالكون من أموال لم تؤد زكاتها سوف توقد عليها نار الحامية ،والشديدة الحرارة .وقد جعل الإحماء للنار مبالغة في التنكيل والتحريق ؛لأن النار في نفسها حامية ،فإذا وصفت بأنها تحمى ؛دل ذلك على شدة توقدها وفظاعة اشتعالها وتحريفها .والمراد أن النار تحمى على المال المكنوز ليصير حاميا بالغ الحرارة ،ثم تكوى بها بعد ذلك جباه الكانزين وجنوبهم وظهورهم .وقد خصت هذه المسميات بالذكر ؛لأن غرض الكانزين هم كنزهم وجمعهم المال أن يكونوا عند الناس ذوي وجاهة وإطراء فينزعون بذلك إعجاب الناس وتكريمهم لهم ،فضلا عن ظواهر الرغد والتنعيم بالشهي من المطعوم وفاخر الملبوس .ومن أجل ذلك يكتوون على الأعضاء التي كانت تبرز فيهم لدى المفاخرة والاختيال ،وعند طلب الوجهة وحسن الصيت ،وهي الجباه .ثم جنوبهم وظهورهم التي كانت محلفة بالسمن لفرط الأكل والترف والتنعم بطيبات الحطام الفاني .لا جرم أن الكي على هذه المواضع أشنع وأوجع وأخزى ؛فهي مواضع التعبير عن الغرور الذي هوى فيه هؤلاء اللئام الأشحة ،أو البطر الذي غشيهم فأنساهم حق الفقراء والمساكين والمعوزين فيما كنزوه .
قوله:{فذوقوا ما كنتم تكنزون} ما ،مصدرية ح أي ذوقوا وبال كنزكم .وقيل: موصولة ؛أي ذوقوا وبال المال الذي كنتم تكنزونه .ويقال لهم ذلك على سبيل التقريع والتهكم وزيادة في التنكيل الأليم كقوله:{ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم 38 ذق إنك أنت العزيز الكريم} فهذا هو الذي كنتم تكنزونه لأنفسكم فذوقوا كيه ومس لظاه .وفي الصحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله ،إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة ،حتى يقضي بين العباد ،ثم يرى سبيله إما إلى الجنة ،وإما إلى النار ){[1773]} .