ذكر الله عذاب يوم القيامة لمن كنز الذهب والفضة من غير إنفاق:
{ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ( 35 )} .
{ يَوْمَ} تتعلق بقوله:{ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، أي ذلك الإيلام الشديد ، يوم يحمى عليهما أي يوقد عليهما ، والضمير يعود إلى الذهب والفضة كما يعود ضمير ينفقونها إليها على التخريج الذي ذكرنا آنفا ، ولهذا النص تصوير لحال الأشحة الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الخير ، ولا يؤدون ما تعلق بها من نفقات على العيال ، والفقراء ، فلا يعطون المال على حبه مسكينا يتيما وأسيرا ، ويعيشون لأنفسهم ، لا يتجاوزونها إلى غيرهم من الفقراء والمحاويج والمجاهدين والمؤلفة قلوبهم والغارمين وفي سبيل الله .
و{ يُحْمَى عَلَيْهَا} أي يوقد عليها فتكون كمقامع تكوى بها وجوههم ،وجنوبهم وظهورهم ، وذكرت هذه الأعضاء لأنها تعم الجسم كله ، وابتدأ بالوجوه لأنها بها المواجهة ، وبها تتميز الأشخاص ؛ ولأنهم يطلبون بكنز المال الوجاهة في الدنيا ، والشأن فيها ، ولأنهم بالكنز يصونون ماء وجوههم ، كما قال الزمخشري '( أن يكون ماء وجوههم مصونا عندهم يتلقون بالجميل ، ويحيون بالإكرام ، ويبجلون ويحتشمون ، ومن أكل الطيبات يتضلعون منها ، وينفخون جنوبهم ، ومن لبس ناعمة من الثياب ، يطرحونها على ظهورهم ، كما ترى أغنياء زمانك هذه أغراضهم وطلباتهم من أموالهم لا يخرطون ببالهم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ذهب أهل الدثور بالأجور ) . وقيل لأنهم كانوا إذا بصروا الفقير عبسوا وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه ، وتولوا بأركانهم ، وولوه ظهورهم ، وقيل:معناه يكون على الجهات الأربع مقاديمهم ، ومآخيرهم وجنوبهم ) 1 ه .
هذه مقالة الزمخشري ، ونرى الأقوال التي ذكرها كلها صادقة ، فهم ينتفعون بالأموال مفاخرين بها مباهين مستعلين يملئون بطونهم منها ، ويلبسون الدمقس والحرير ، ويعبسون للفقراء ، ويهشون للأغنياء ، ويوم القيامة تحيط بهم النار من الجهات الأربع ، بحيث لا ينفلتون عنها ، ويكوون بها في كل أجزاء جسمهم ، ولا يجدون للفرار منها سبيلا .
{ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ} هذه النار الموقدة من تنوركم هي ما كنزتموه أي عاقبته ومآله ، أو ذاته ، فذوقوا ما كنتم تكنزون ، أي وبال ما كنتم تكنزونه ، أو ذوقوه موقدا للنار .
هذا خبر الله تعالى عن الكنوز وأصحابها يوم القيامة ، وما يتعلق باليوم الآخر نقبله كما هو ، ويصح أن نقول إنه تصوير لحالهم تسببه عاقبة أمرهم بمن يكوون بذهبهم وفضتهم ، والله عليم خبير .