35 –{يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم ...} الآية .
أي: يعذب الكانزون يوم توقد النار على أموالهم ؛التي لم يؤدوا حق الله فيها .
فتكوى بها جباههم التي كانوا يترفعون بها على الناس ؛وجنوبهم التي طالما انتفخت من كثرة الشبع وغيرها جائع ،وظهورهم التي طالما أداروها للفقراء .
قال الزمخشري:
لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا ،وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه ،وتولوا بأركانهم وولوه ظهورهم .
{هذا ما كنزتم لأنفسكم} .
أي: يقال لهم: هذا ما كنزتموه لتنتفعوا به فهذا نفعه ،على طريقة التهكم والتوبيخ .
{فذوقوا ما كنتم تكنزون} .
أي: ذوقوا وبال كنزكم للمال وسوء عاقبته .
عن ابن عمر في هذه الآية قال: إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ،فلما نزلت الزكاة جعلها الله طهرة للأموال .
ثم قال: ما أبالي لو كان عندي مثل أحد ذهبا ؛أعلم عدده وأزكيه ،وأعمل فيه بطاعة الله .
من هدى السنة
ورد في السنة المطهرة والأحاديث الصحيحة: أن مانع الزكاة يعذب عذابا شديدا في النار .
ففي حال يمثل المال فيه ثعبانا ،وفي حال يكون صفائح من نار ،وفي حال يكون رضفا( حجارة محماة ) .
روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته ؛مثل له يوم القيامة شجاعا أقرعا له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة ،ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني: شدقيه – ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ..."65 .
وأورد ابن كثير طائفة من الأحاديث النبوية عند تفسير هذه الآية .
ثم قال ابن كثير: وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر:"ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا ،يمر على ثلاثة أيام وعندي منه شيء ،إلا دينار أرصده لدين "66 .فهذا والله أعلم هو الذي حدا بأبي ذر إلى القول بأن كل ما زاد عن النفقة فهو كنز يذم فاعله .
من كلام المفسرين
1 – قال الزمخشري في تفسيره لهذه الآية:
فإن قلت: فما تصنع بما روى سالم بن الجعد رضي الله عنه أنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تبا للذهب ،تبا للفضة "قالها ثلاثا فقالوا له: أي مال نتخذ ؟قال:"لسانا ذاكرا ،وقلبا خاشعا ،وزوجة تعين أحدكم على دينه "67 .وبقوله عليه الصلاة والسلام:"من ترك صفراء أو بيضاء كوى بها ..."68 .
قلت: كان هذا قبل أن تفرض الزكاة ،فأما بعد فرض الزكاة ؛فالله أعدل وأكرم من أن يجمع عبده مالا من حيث أذن له فيه ،ويؤدى عنه ما أوجب عليه فيه ،ثم يعاقبه ؛ولقد كان كثير من الصحابة كعبد الرحمان بن عوف ،وطلحة بن عبيد الله ،وعبيد الله رضي الله عنهم ؛يقتنون الأموال ،ويتصرفون فيها وما عابهم أحد ... 69 .
2 – قال القرطبي في تفسيره:
"قرر الشرع ضبط الأموال ،وأداء حقها ،ولو كان ضبط المال ممنوعا ؛لكان حقه أن يخرج كله ،وليس في الأمة من يلزم هذا ،وحسبك حال الصحابة وأموالهم – رضوان الله عليهم – وأما ما ذكر عن أبي ذر فهو مذهب له ...".
3 – جاء في تفسير القاسمي ما يأتي:
قال ابن عبد البر: وردت عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى: أن كل مال مجموع يفضل عن القوت ،وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله ،وأن آية الوعيد نزلت في ذلك .
وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم ،وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة ،وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي ،قال: هل علي غيرها ؟قال:"لا إلا أن تطوع ".اه .
فسأله عن حق الله في المال ؛فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة ،فقال الإعرابي: وهل على غيرها ؟قال:"لا إلا إن تطوع ".
قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفلح إن صدق "70 .
جاء في تفسير الفخر الرازي لهذه الآية ما يأتي:
اعلم أن الطريق الحق أن يقال: الأولى أن لا يجمع الرجل الطالب للدين المال الكثير ؛إلا أنه لم يمنع عنه في ظاهر الشرع ،فالأول: محمول على التقوى ،والثاني: على ظاهر الفتوى .
أما بيان أن الأولى الاحتراز عن طلب المال الكثير فبوجوه منها:
1 – إن كثرة المال سبب لكثرة الحرص في الطلب ،والحرص متعب للروح والنفس والقلب ...والعاقل هو الذي يحترز عما يتعب روحه ونفسه وقلبه .
2 – إن كسب المال شاق شديد ،وحفظه بعد حصوله أشد وأشق وأصعب ،فيبقى الإنسان طول عمره تارة في طلب التحصيل ،وأخرى في تعب الحفظ ...
3 – إن كثرة الجاه والمال تورث الطغيان كما قال تعالى:{إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى} .اه . ( العلق: 6 ،7 ) .