يؤتى بهؤلاء الناس يوم القيامة ويوقَدُ على هذه الأموال في نار جهنم ثم تُحرق بتلك الأموال المحْمَاة جباهُ أصحابها ،وجنوبُهم وظهورهم ،ويقال توبيخاً لهم: هذا ما ادّخرتموه لأنفسكم ولم تؤدوا منه حقَّ الله .
إن ما كنتم تظنّونه من منفعةٍ في كنزه لأنفسِكم قد كان لكم ضُرّاً ،فقد صار في الدنيا لِغَيركم ،وعذابُه في الآخرة لكم ،فذوقوا اليوم العذاب الشديد .
ومن أكبر أسباب الضعف الظاهر الذي نراه في مجتمعاتنا العربية والإسلامية البخلُ والشحّ المستولي على أرباب الأموال فهم لا يبخلون على شهواتهم بإنفاق الملايين ،أما حين تُطلب منهم الحقوق الواجبة من أجل الدفاع عن الأوطان وصد المعتدين ،فإنهم لا يؤدون ما يجب عليهم .
وقد وردت عدة روايات في نزول الآية ،منها حديثُ أبي ذرّ الذي أخرجه البخاري وغيره ،قال زيد بن وهب ،أبو سليمان الجهني ،وهو تابعي ثقة: مررت بأبي ذرٍ بالرَّبَذَة ( موضع بين مكة والمدينة ) فقلت:
يا أبا ذر ،ما أنزلك هذه البلاد ؟فقال: كنت بالشام فقرأت ( والذين يكنزون الذهب والفضة ) فقال معاوية: هذه نزلت في أهل الكتاب ،فقلت: إنها فينا وفيهم .فصار ذلك سبباً للوحشة بيني وبينه ،فكتب إليَّ عثمانُ أن أَقبلْ إليّ .فلما قدمت المدينة انحرف عني الناسُ كأنهم لم يروني من قبل .فشكوت إلى عثمان ،فقال: تنحَّ قريبا .فقلت: إني واللهِ لم أدَع ما كنت أقول .وكان يندّد بأصحاب الأموال ،ويخوّف الناسَ من جمع الأموال وخزنها ،وكان يحدِّث الناس ويقول لهم: لا يبيتن عند أحدِكم دينارٌ ولا درهم إلا ما ينفقه في سبيل الله أو يعدّه لغريم الخ ...
وأخرج أبو داود والحاكم وابن أبي شَيبة وغيرهم عن ابن عباس: قال: «لما نزلت هذه الآية ( والذين يكنزون الذهب والفضة ) كَبُرَ ذلك على المسلمين ،وقالوا: ما يستطيع أحدٌ منا أن لا يُبقي لِولِده مالاً بعده ،فقال عمر: أنا أفرَج عنكم ،فانطلق وتبعه ثَوْبان ،فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم ،فقال: يا نبيّ الله ،إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية .فقال: إن الله لم يفرض الزكاةَ إلا ليطيِّبَ بها ما بقي من أموالكم ،وإنما فُرضت المواريثُ عن أموالٍ تبقى بعدكم ،فكبَّر عمر رضي الله عنه » يعني من فرط سروره .وذلك يعني أن المال الذي أخرجت زكاته ليس بكنز .