يأكلون أموال الناس: يأخذونها بغير حق وبطرقٍ غير مشروعة .يصدون عن سبيل الله: يمنعون الناس عن معرفة الحقيقة .
يكنزون الذهب والفضة: يخزنونها .
بعد أن بين الله تعالى في الآيات السالفة كيف بدّل اليهود والنصارى ديانتهم واتّخذوا أحبارَهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ،يبيّن هنا سيرةَ كثيرٍ من هؤلاء الرؤساء الدينّيين في معاملاتهم مع الناس ،ثم أوعدَ الباخِلين الذين يكنزون الذهب والفضة في خزائنهم ولا ينفقون منها في سبيل البر والخير ،أوعَدَهم بالعذاب الأليم في نار جهنم .
{يا أيها الذين آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأحبار والرهبان لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الناس بالباطل وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} .
يا أيها المؤمنون: اعلموا أن كثيراً من علماء اليهودِ ورهبان النصارى يستحلُّون أكْلَ أموال الناس بغير حق ،ويستغلّون ثقة الناس فيهم واتّباعَهم لهم في كلّ ما يقولون ،ويصدّون الناسَ عن الدخول في الإسلام ،ويَحْمِلونهم على الطعن فيه بما يبثّونه من تعاليم تخالف الواقع .
وقوله تعالى: ( إن كثيراً من الأحبار والرهبان ) فيه دِقة واحتراز ،فإن بينهم من لا يأكلُ أموال الناس ولا بدّ من أفرادٍ في أية جماعة من الناس فيهم بقيةُ خير .
وأخذُ أموال الناس بغير حقٍّ شرعيّ له طرق عديدة ،منها الرشوة لأجل الحكم والمساعدة على إبطال حق أو إحقاق باطل .وهي حرام على كلّ من أخذَها سواء أكان من الرؤساء الدينيّين أو من الموظفين والحكّام ...
وكذلك الرّبا ،فإنه من أكبر الفواحش .ومنها أخذُ المال جُعلا على مغفرةِ الذنوب ،ومنها أخذُ الأموال على الفتاوى لتحليلِ الحرام وتحريم الحلال .وهذا من أشدّ الذنوب وأكبر الكبائر ،كما قال تعالى مخاطبا اليهود:
{قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَآءَ بِهِ موسى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تعلموا أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [ الأنعام: 91] .
{والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .
والذين يجمعون الأموالَ من جميع أصنافها ويكنزونها في خزائنهم ،ولا ينفقون منها في سبيل الله بأن يُخرجوا زكاتها ،ويتصدّقوا منها لبناء المدارس والمستشفيات ،ودور الأيتام والدفاع عن الوطن والعقيدة ،فهؤلاء أنذِرْهم أيها الرسول الكريم بعذابٍ موجع .
وقد وردت عدة روايات عن الصحابة والعلماء المجتهدين أن المال الذي تؤدى زكاتُه ليس بكنز ،وهذا صحيح .ولكن هناك واجباتٍ أُخرى تستلزمها الضرورةُ فيجب على أصحاب الأموال أن يشاركوا فيها مثل: الجهاد ،بناء المدارس ،والمساجد ،والمصحّات وغير ذلك ،والذي يدخلُ تحت قوله تعالى:{وفي أَمْوَالِهِمْ حَقّ ٌمعلوم لَّلسَّائِلِ والمحروم} [ الذاريات: 19] .