قوله:{لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} أي لا تعتذروا بالباطل فتقولوا: كما نخوض ونعلب ،أو لا تذكروا هذا العذر الباطل في دفع ذلك الجرم الفظيع .وبذلك نهاهم عن الاعتذار ؛لأن قولهم{إنما كنا نخوض ونلعب} لي عذرا حقيقيا في الذين فعلوه من الاستهزاء والتهكم .
وقوله:{قد كفرتم بهد إيمانكم} أي إيمانكم الذي أظهرتموه للمسلمين ؛فقد ظهر لكم كفركم بعد أن كنتم في ظنهم مسلمين .
ويستفاد من ذلك أن الاستهزاء بالدين كفر بالله ؛لأن الاستهزاء ضرب من الاستخفاف وهو خلاف ما يستوجبه الله على العباد من تعظيمه .والجمع بين الاستخفاف والتعظيم محال .ويستفاد أيضا أن الكفر يقع بالأفعال والأقوال من غير اشتراط لنوايا القلوب ،وهذا يدل على بطلان قول من يقول إن الكفر لا يدخل إلا في أفعال القلوب{[1842]} .
قوله:{إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين} يتبين من هذه الآية أن ثمة طائفتين ،إحداهما ،المعفو عنها ،والثانية المعذبة .وقد ذكر المسفرون أن الطائفتين كانوا ثلاثة .استهزأ اثنان وضحك واحد ،فالطائفة الأولى الضاحك ،والطائفة الثانية الهازئان .ولما كان ذنب الضاحك أخف ؛فقد عفا الله عنه ،وذنب الهازئين أعظم فما عفا الله عنهما .
قوله:{بأنهم كانوا مجرمين} أي نعذب الطائفة المستهزئة بما اكتسبوه من الجرم وهو الكفر بالله وطعنهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم{[1843]} .