قوله تعالى:{ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون 65 ولا تعتذروا قد كفرتم بعد أيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين} روي عن زيد بن أسلم أن رجلا من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك: ما لقرائنا هؤلاء أرغبنا بطونا ،وأكذبنا ألسنة ،وأجبننا عند الله ،فقال له عوف: كذبت ؛ولكنك منافق ،لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فوجد القرآن قد سبقه ،فقال زيد: قال عبد الله بن عمر: فنظرت إليه متعلقا بحقب{[1840]} ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحاجرة يقول: غنما كنا نخوض ونعلب .فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ) .
وعن قتادة قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوته إلى تبوك وبين يديه ناس من المنافقين قالوا: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات .فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم: ( احبسوا علي هؤلاء الركب ) فأتاهم .فقال: ( قلتم كذا .قلتم كذا ) قالوا: يا نبي الله إنما كنا نخوض وتلعب .فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم ما تسمعون{[1841]} .
والخوض ،أصله الدخول في مائع كالماء والطين .ثم كثر استعماله حتى أطلق على كل دخول فيه تلويث وأذى ؛أي كنا نخوض في الباطل .
قوله:{قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} استفهام يستنكر فعل المنافقين ؛إذ كانوا يتهكمون ويستهزئون بالله وكتابه ورسوله .
وعلى هذا فإنه لا يسخر من آيات الله أو بعض آياته أو من نبيه صلى الله عليه وسلم إلا كان كفور أثيم ؛فإن ذلك خوض في دين الله بالباطل ،يستوي في ذلك ما لو كان الخوض على سبيل الجد أو الهزل ؛فإن ذلكم كله كفر بغير خلاف .