قال تعالى:
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تستهزئون ( 65 ) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ( 66 ) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( 67 ) وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ( 68 ) .
كان المنافقون في المدينة يثبطون المؤمنين عن الجهاد ببث التخاذل فيهم ، ووضع ما يؤدي إلى الفشل والعجز فيما بينهم لا يبالون ، ما يمنعهم من غرضهم عشيرة أو جوار ، أو أنه إذا نزلت بالمدينة كارثة لا ينجون منها .
فكانوا يستهزئون بالمؤمنين في مجالسهم ، ويتهكمون عليهم ، إذا خرجوا إلى الجهاد حاولوا تثبيطهم عنه ببث روح الفشل ، أو بالتهكم اللاذع ، واستصغار شأن المؤمنين ، ومما جاء في مقالتهم من نفاقهم ( أنه بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسير في غزوة تبوك كان ركب من المنافقين وبعضهم يقول لبعض:أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم لبعض ، والله لكأنا بهم مقرنين في الحبال . قالوا ذلك ترهيبا للمؤمنين ، وقال رجل من المنافقين طعنا في المؤمنين:ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا ، أكذبنا ألسنة ، وأجبننا عند اللقاء .
علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الأقوال ، وراجت وشاعت بين المؤمنين ، وكانت تشتد شيوعا كلما كان القتال ؛ لأنه يلهج ألسنتهم بفساد القول كلما كانت حرب أو شدة لتكون السخرية ، ويكون التثبيط .
وإذا سألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الأقوال أقروا بها ، وبمقصدهم منها ، وهو العبث ، وهذا قوله تعالى:{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} .
والخوض هو الدخول في الماء والانغمار فيه ، ثم أطلق على الدخول في الكلام الذي يسمرون به ، والقصص من الأساطير ، واللعب من الفعل أو القول الذي لا يكون لغاية ، بل لمجرد العبث ، أو الاستهزاء والسخرية .
وقد أكد الله تعالى سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} ، بالقسم وفيه اللام الممهدة للقسم ، وحذف المفعول ؛ لأن أقوالهم كثيرة ، وكان جوابهم مؤكدا تبعا لتأكد القسم ، فهم أكدوا أنهم كانوا يخوضون ويلعبون ، ومعنى ذلك أنهم كانوا يستهزئون ، ولذلك أمر الله تعالى نبيه بأن يقول لهم:{ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تستهزئون} .
بين الله سبحانه وتعالى خطر استهزائهم بالخوض في الكلام العابث ، واللعب الجاحد ، بين لهم أن ذلك يتضمن الاستهزاء بالله خالق كل شيء ، والآيات التي ترشد العقلاء إلى الحق ، والرسول الصادق الأمين الذي قامت الأدلة من القرآن ومن شخصه على الرسالة ، فكفروا بالله وكذبوا الآيات .
وتقديم:{ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ} ، على الفعل يستهزئون فيه إشارة إلى تخصيص هؤلاء بالاستهزاء ، فأي ضلال أشد من هذا ، وأي كفر وجحود أشد .
والاستفهام هنا للاستنكار ، إنكار الواقع أي التوبيخ على ما فعلوا .