{يُسَيِّرُكُمْ}: يمكنكم من المسير .
{الْفُلْكِ}: السفينة .
السير في البر والبحر
ثم تزداد الآيات في تفصيل الفكرة وتوضيح الصورة في بعض مفرداتها .{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} وهو الذي يهيىء لكم القدرة على السير بأمان واطمئنان في مناكب البرّ ورحابه ،وأمواج البحر وآفاقه ،حيث تتحرك كل القوانين المودعة في الأرض لتحمي مسيرتكم وتدفعها إلى شاطىء الأمان .
{حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا} واستسلموا لهذا الجوّ الهادىء الرضيّ الذي يوحي بالطمأنينة والاسترخاء .وعاد الأسلوب في الخطاب إلى الغيبة ،ليرجع إلى الحديث عن الظاهرة في جوّها الشامل الذي يتعدى المخاطبين إلى جميع الناس{جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} وتلبّد الجوّ واكفهرت السماء{وَجَآءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ} فلم يجدوا مجالاً للتخلص من هذه الأمواج العاتية التي ترغي وتزبد وتحاصرهم من جميع الجهات{وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} في نوبةٍ من نوبات الإيمان الطارىء الذي يطفو على سطح النفس ليستنجد به في ما يعتقد أنه يقرّبه إلى الله ،فينجيه من الموت المحتّم ،{لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} الذين يشكرونك بالإيمان والطاعة في مستقبل الأيّام .واستجاب الله هذا الدعاء ،ليعرّفهم بأن الله رحيم بعباده ،وأنه يعطيهم الفرصة للتراجع ،ليقوّي فيهم دوافع الإيمان وعناصر الالتزام .وهدأ الموج ،وعاد البحر هادئاً ساكناً ،وجرت الريح من جديد ،تماماً كما هو النسيم العليل الهادىء في انطلاقة الصباح ،وغرقوا في سباتٍ عميق ،وبدأت اليقظة تزحف إلى عيونهم بعد ذلك ،ولكن الظلام الروحي عاد من جديد إلى الأعماق ،ليعيدهم إلى أجواء الشك والريبة والتمرّد .